الشك... مدى الحياة
الكاتب: فضيلةالدكتورالشيخ/ سلمان بن فهد العودة
إن نظرة الريبة قد تبدو رحيمة أحياناً إذا قارناها بنظرة الاتهام !
وإن الكلام مهما كان سليماً وصحيحاً ومعتدلاً فيبقى أننا لا نعرف بواطن النفوس وسرائر القلوب وغوامض النوايا ..
وما يدرينا ماذا عسى أن تخفي تلك الكلمات الجميلة والعبارات اللطيفة !
قلت يوماً لأحدهم : هب أن مَلَكاً كريماً من ملائكة السماء شهد لفلان عندك الآن بما يدفع الشك والريبة فإن الْمَلَك لا يعلم الغيب وإنما يشهد بما يعلم ، فهو يحكي لك ما يراه الآن في قلب هذا الإنسان ، وعساه أن يتغير فيقع لك الشك بعد صعود الملك إلى عليائه وانقطاع شهادته !
هب أن الله أطلعك على قلبه فرأيت صفاء كصفاء النجوم ونقاءً كنقاء الغيوم ، ورأيت نبلاً وحباً للخير ، وطهارة كطهارة ماء البحر ، ثم أغلق القلب على ما فيه ، وانصرف كل إلى حال سبيله فلسوف يعاودك الشك والظن وتغشاك الريبة ، وتقول : ماذا عسى أن يكون طرق قلبه من بعدي ، وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ؟
وبهذا المنطق المظلم لن يصبح للكلام قيمة ولا معنى ولا دلالة ، لأن من المحتمل أن يكون تلبيساً أو تدليساً أو خداعاً ، وكأن الناس خلقوا " ممثلين " يؤدون أدواراً لا يؤمنون بها ، وأنت من بينهم استثناء فأنت الصادق البار الراشد الذي يتطابق ظاهرك وباطنك ، وسرك وعلانيتك !
اقرأ أحياناً مقالات تحليلية تؤثر الصدود عن الواقع المشهود ، والسياق الطبيعي في تحولات الأفكار للأفراد والجماعات فأجد من لا يريد أن يقرأ الأشياء وفق طبيعتها السننية ، وسياقها الفطري ، وتحولها المتدرج ، ليصور الآخرين وكأنهم ذئاب استبطنت الغدر ، وطوت دخيلتها على الوثوب ، وإنما هي تنتظر وقتها الملائم وفرصتها المواتية ، وثم نفوس كريمة تحسن الظن ، وإنما حسن ظنها من حسن فعالها وطيب داخلها .
ونفوس أخرى تؤثر التحري والتثبت وتستزيد من الأدلة والبراهين ، وحق لها ذلك فقديماً كان عمر يقول : " لست بالخب ولا الخب يخدعني " .
ولكن الشأن فيمن يتعمد الصدود عن واقع يشهده ، ويحاول أن يقرأ ما بين السطور ، أو يبحث بين الحروف ، فإذا لم يجد وأعيته الحيلة سارع إلى اتهام النية والتشكيك في المقصود ، وطرح أسئلة حول " الأهداف " !
كان المتنبي يقول :
إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ
وَعادى مُحِبّيهِ بِقَولِ عُداتِهِ وَأَصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ
المبتلى بالريبة والشك لا يزال في اضطراب ، يحسب كل صيحة عليه ، وهو يظن أن من الذكاء والفطنة أن يحاصر الآخرين بالأسئلة والحق أنه يحاصر نفسه ، ولا يزال الشك يفتك بنفسه حتى يشك بأقرب الناس إليه ، فلا يبقى له صديق ..
تألف بعض النفوس الشك حتى يرديها ، فلا تزال في ريبها تتردد كما قال سبحانه : (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(التوبة: من الآية45) ، حتى يفجأها الموت فيقطع حيرتها ، أو يفجأ من شكت فيه فتدري حينئذٍ أنه لن ينكشف لها عن جديد فتركن إلى ما عرفت وتهدأ مخاوفها .
ولعله لهذا أصبحنا كثيراً ما نظلم الأحياء ونجحف في حقهم ، وقد ننصف الأموات ونعطف عليهم .. ولهذا قيل :
لَا ألفينّكَ بَعدَ المَوتِ تَندُبُني وَفي حَياتِيَ ما زَوَّدتَني زادي !
وهذا منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :
« يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِى بَيْتِهِ ». رواه أبو داود من حديث أبي برزة بإسناد جيد والترمذي من حديث ابن عمر وحسنه .
وهذا منادي الله تعالى يقول :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12) .
فالظن السيئ مدعاة للتجسس ، والتجسس مدعاة للغيبة
خذ من الناس ما ظهر .. ودع الأمر الذي استتر
واشتغل بالعيب في نفسك عن عيوب البشر
رب أمرٍ أنت كبرته .. ولو أنت صغرته لصغر ..
إن ملامح الوجوه ، ونبرات الأصوات ، وسيماء الشخوص ، وديمومة الوقت لهي آيات بينات تكشف حقائق النفوس ودوافعها وتبين الصادق من الكاذب !
إِذا اِشتَبَهَت دُموعٌ في خُدودٍ تَبَيَّنَ مَن بَكى مِمَّن تَباكى
الكاتب: فضيلةالدكتورالشيخ/ سلمان بن فهد العودة
إن نظرة الريبة قد تبدو رحيمة أحياناً إذا قارناها بنظرة الاتهام !
وإن الكلام مهما كان سليماً وصحيحاً ومعتدلاً فيبقى أننا لا نعرف بواطن النفوس وسرائر القلوب وغوامض النوايا ..
وما يدرينا ماذا عسى أن تخفي تلك الكلمات الجميلة والعبارات اللطيفة !
قلت يوماً لأحدهم : هب أن مَلَكاً كريماً من ملائكة السماء شهد لفلان عندك الآن بما يدفع الشك والريبة فإن الْمَلَك لا يعلم الغيب وإنما يشهد بما يعلم ، فهو يحكي لك ما يراه الآن في قلب هذا الإنسان ، وعساه أن يتغير فيقع لك الشك بعد صعود الملك إلى عليائه وانقطاع شهادته !
هب أن الله أطلعك على قلبه فرأيت صفاء كصفاء النجوم ونقاءً كنقاء الغيوم ، ورأيت نبلاً وحباً للخير ، وطهارة كطهارة ماء البحر ، ثم أغلق القلب على ما فيه ، وانصرف كل إلى حال سبيله فلسوف يعاودك الشك والظن وتغشاك الريبة ، وتقول : ماذا عسى أن يكون طرق قلبه من بعدي ، وما يؤمنني والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ؟
وبهذا المنطق المظلم لن يصبح للكلام قيمة ولا معنى ولا دلالة ، لأن من المحتمل أن يكون تلبيساً أو تدليساً أو خداعاً ، وكأن الناس خلقوا " ممثلين " يؤدون أدواراً لا يؤمنون بها ، وأنت من بينهم استثناء فأنت الصادق البار الراشد الذي يتطابق ظاهرك وباطنك ، وسرك وعلانيتك !
اقرأ أحياناً مقالات تحليلية تؤثر الصدود عن الواقع المشهود ، والسياق الطبيعي في تحولات الأفكار للأفراد والجماعات فأجد من لا يريد أن يقرأ الأشياء وفق طبيعتها السننية ، وسياقها الفطري ، وتحولها المتدرج ، ليصور الآخرين وكأنهم ذئاب استبطنت الغدر ، وطوت دخيلتها على الوثوب ، وإنما هي تنتظر وقتها الملائم وفرصتها المواتية ، وثم نفوس كريمة تحسن الظن ، وإنما حسن ظنها من حسن فعالها وطيب داخلها .
ونفوس أخرى تؤثر التحري والتثبت وتستزيد من الأدلة والبراهين ، وحق لها ذلك فقديماً كان عمر يقول : " لست بالخب ولا الخب يخدعني " .
ولكن الشأن فيمن يتعمد الصدود عن واقع يشهده ، ويحاول أن يقرأ ما بين السطور ، أو يبحث بين الحروف ، فإذا لم يجد وأعيته الحيلة سارع إلى اتهام النية والتشكيك في المقصود ، وطرح أسئلة حول " الأهداف " !
كان المتنبي يقول :
إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ
وَعادى مُحِبّيهِ بِقَولِ عُداتِهِ وَأَصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ
المبتلى بالريبة والشك لا يزال في اضطراب ، يحسب كل صيحة عليه ، وهو يظن أن من الذكاء والفطنة أن يحاصر الآخرين بالأسئلة والحق أنه يحاصر نفسه ، ولا يزال الشك يفتك بنفسه حتى يشك بأقرب الناس إليه ، فلا يبقى له صديق ..
تألف بعض النفوس الشك حتى يرديها ، فلا تزال في ريبها تتردد كما قال سبحانه : (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)(التوبة: من الآية45) ، حتى يفجأها الموت فيقطع حيرتها ، أو يفجأ من شكت فيه فتدري حينئذٍ أنه لن ينكشف لها عن جديد فتركن إلى ما عرفت وتهدأ مخاوفها .
ولعله لهذا أصبحنا كثيراً ما نظلم الأحياء ونجحف في حقهم ، وقد ننصف الأموات ونعطف عليهم .. ولهذا قيل :
لَا ألفينّكَ بَعدَ المَوتِ تَندُبُني وَفي حَياتِيَ ما زَوَّدتَني زادي !
وهذا منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول :
« يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِى بَيْتِهِ ». رواه أبو داود من حديث أبي برزة بإسناد جيد والترمذي من حديث ابن عمر وحسنه .
وهذا منادي الله تعالى يقول :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12) .
فالظن السيئ مدعاة للتجسس ، والتجسس مدعاة للغيبة
خذ من الناس ما ظهر .. ودع الأمر الذي استتر
واشتغل بالعيب في نفسك عن عيوب البشر
رب أمرٍ أنت كبرته .. ولو أنت صغرته لصغر ..
إن ملامح الوجوه ، ونبرات الأصوات ، وسيماء الشخوص ، وديمومة الوقت لهي آيات بينات تكشف حقائق النفوس ودوافعها وتبين الصادق من الكاذب !
إِذا اِشتَبَهَت دُموعٌ في خُدودٍ تَبَيَّنَ مَن بَكى مِمَّن تَباكى
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم