لا بأس بترك السنن الاستحبابية أحياناً مخافة الفتنة والاختلاف
رحم الله ورضي عن الصحابي الجليل، والعالم الفقيه عبد الله بن مسعود عندما سئل عن سبب إتمامه الصلاة الرباعية في منى خلف الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد كان صلاها من قبل خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم ركعتين وقد فعل عثمان ذلك متأولاً فقال: الخلاف شر)، إي وربي فإن الخلاف في الفروع وفي الأمور الاجتهادية، وعند التأويل المستساغ شر ليس بعده شر.
وفي رواية قال معمر عن قتادة: إنَّ عثمان لما صلى أربعاً، بلغ ذلك ابن مسعود، فاسترجع ثم قام أربعاً، فقيل له: استرجعت ثم صليت أربعاً؟، قال: الخلاف شر.
قال الحافظ ابن عبد البر معلقاً على إتمام ابن مسعود بعد استرجاعه من إتمام عثمان: فهذا يدلك على أن القصر عند ابن مسعود ليس بفرض1، وأنكر لمخالفة عثمان الأفضل عنده، لأن الأفضل عنده اتباع السنة، ثم رأى اتباع إمامه فيما أبيح له أولى من إتيان الأفضل في القصر، لأن مخالفة الأئمة لا تجوز إلا فيما لا يحل، وأما فيما أبيح، فلا يجوز فيه مخالفة الأئمة، إذا حملهم على ذلك الاجتهاد)2.
ولذات السبب روى الذهبي عن الحاكم قال: سمعت الأستاذ أبا الوليد يقول: قيل لأبي العباس الدَّغُولي3، لِمَ لا تقنت في صلاة الفجر؟، قال: لراحة الجسد، وسنة أهل البلد، ومداراة الأهل والولد)4.
فهذا الإمام الدغولي الفقيه الشافعي ترك القنوت في صلاة الفجر وقد كان من المداومين عليه لأنه من السنن الاستحبابية، وعلل ذلك بما سبق ذكره. فدرء المفاسد، والمتاعب، وتجنب أسباب الخلاف والفتنة مقدم على جلب المنافع.
فالقنوت في الصبح لمن أم أناساً اعتادوه، أو تركه لمن لم يعتده، وترك صلاة الركعتين قبل المغرب وبعد الأذان لمن اعتادها، وقد صلى مع قوم يرونها بدعة مكروهة وما شابه ذلك أحياناً، وهي سنن استحبابية ليس على من تركها عمداً شيء سيما لمن تركها مداراة وخوفاً من الخلاف والنزاع؟!.
لا شك أن هذا من باب أولى و بالأحرى.
ففي كثير من الأحيان يحدث نزاع، وصخب، وتشويش في بعض بيوت الله بسبب ترك سنن استحبابية أو فعلها، ولو تركها المرء أو فعلها لما كان عليه من الوزر والإثم شيء بل لعله يؤجر عند الله ويشكر عند الناس.
روى عبد الرزاق عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه كان مع قوم في سفر، فحضرت الصلاة، فقالوا له: صل بنا، فقال: إنا لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم)، فأبى، فتقدم رجل من القوم، فصلى بهم أربع ركعات، فلما سلم، قال سلمان: ما لنا وللمربعة؟، وإنما كان يكفينا نصف المربعة ـ ونحن إلى الرخصة أحوج)5، فسلمان رضي الله عنه لم يعد الصلاة وإن لم يرتضِ الإتمام.
فدل ذلك على أمرين:
1. أن القصر عند سلمان رخصة وسنة.
2. أنه لم يعد الصلاة خوف الخلاف والتفرق وربما أثار عليه ذلك بعض العوام.
هذا من تواضع سلمان، وورعه، وإجلاله للعرب، وإلاَّ فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلاَّ بالتقوى.
ولهذا فإن المسائل التي يسوغ فيها الاختلاف، والتي اختلف فيها من هم خير منا، نحو المسائل الاجتهادية التي لم يصح فيها نقل ونحو خلاف التنوع فلا يحل لأحد أن يثرب فيها على من خالفه أو يعيبه على ذلك.
قال الحافظ ابن عبد البر معلقاً على اختلاف الصحابة عندما وقع الطاعون بعمواس بالشام 18هـ قبل مجيء عبد الرحمن بن عوف وروايته لما صح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه"6: وفيه دليل على أن المسألة إذا كان سبيلها الاجتهاد، ووقع فيها الاختلاف لم يجز لأحد القائلين فيه عيب مخالفه، ولا الطعن عليه، لأنهم اختلفوا. وهم القدوة، فلم يعب أحد منهم على صاحبه اجتهاده، ولا وجد عليه في نفسه، إلى الله الشكوى وهو المستعان، على أمة نحن بين أظهرها، تستحل الأعراض والدماء إذا خالفت فيما تجيء به من الخطأ)7.
قلت: رحم الله ابن البر، ماذا كان يقول إذا علم حال ما نحن بظهرانيهم الآن؟!.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وأزواجه والتابعين.
رحم الله ورضي عن الصحابي الجليل، والعالم الفقيه عبد الله بن مسعود عندما سئل عن سبب إتمامه الصلاة الرباعية في منى خلف الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد كان صلاها من قبل خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم ركعتين وقد فعل عثمان ذلك متأولاً فقال: الخلاف شر)، إي وربي فإن الخلاف في الفروع وفي الأمور الاجتهادية، وعند التأويل المستساغ شر ليس بعده شر.
وفي رواية قال معمر عن قتادة: إنَّ عثمان لما صلى أربعاً، بلغ ذلك ابن مسعود، فاسترجع ثم قام أربعاً، فقيل له: استرجعت ثم صليت أربعاً؟، قال: الخلاف شر.
قال الحافظ ابن عبد البر معلقاً على إتمام ابن مسعود بعد استرجاعه من إتمام عثمان: فهذا يدلك على أن القصر عند ابن مسعود ليس بفرض1، وأنكر لمخالفة عثمان الأفضل عنده، لأن الأفضل عنده اتباع السنة، ثم رأى اتباع إمامه فيما أبيح له أولى من إتيان الأفضل في القصر، لأن مخالفة الأئمة لا تجوز إلا فيما لا يحل، وأما فيما أبيح، فلا يجوز فيه مخالفة الأئمة، إذا حملهم على ذلك الاجتهاد)2.
ولذات السبب روى الذهبي عن الحاكم قال: سمعت الأستاذ أبا الوليد يقول: قيل لأبي العباس الدَّغُولي3، لِمَ لا تقنت في صلاة الفجر؟، قال: لراحة الجسد، وسنة أهل البلد، ومداراة الأهل والولد)4.
فهذا الإمام الدغولي الفقيه الشافعي ترك القنوت في صلاة الفجر وقد كان من المداومين عليه لأنه من السنن الاستحبابية، وعلل ذلك بما سبق ذكره. فدرء المفاسد، والمتاعب، وتجنب أسباب الخلاف والفتنة مقدم على جلب المنافع.
فالقنوت في الصبح لمن أم أناساً اعتادوه، أو تركه لمن لم يعتده، وترك صلاة الركعتين قبل المغرب وبعد الأذان لمن اعتادها، وقد صلى مع قوم يرونها بدعة مكروهة وما شابه ذلك أحياناً، وهي سنن استحبابية ليس على من تركها عمداً شيء سيما لمن تركها مداراة وخوفاً من الخلاف والنزاع؟!.
لا شك أن هذا من باب أولى و بالأحرى.
ففي كثير من الأحيان يحدث نزاع، وصخب، وتشويش في بعض بيوت الله بسبب ترك سنن استحبابية أو فعلها، ولو تركها المرء أو فعلها لما كان عليه من الوزر والإثم شيء بل لعله يؤجر عند الله ويشكر عند الناس.
روى عبد الرزاق عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه كان مع قوم في سفر، فحضرت الصلاة، فقالوا له: صل بنا، فقال: إنا لا نؤمكم ولا ننكح نساءكم)، فأبى، فتقدم رجل من القوم، فصلى بهم أربع ركعات، فلما سلم، قال سلمان: ما لنا وللمربعة؟، وإنما كان يكفينا نصف المربعة ـ ونحن إلى الرخصة أحوج)5، فسلمان رضي الله عنه لم يعد الصلاة وإن لم يرتضِ الإتمام.
فدل ذلك على أمرين:
1. أن القصر عند سلمان رخصة وسنة.
2. أنه لم يعد الصلاة خوف الخلاف والتفرق وربما أثار عليه ذلك بعض العوام.
هذا من تواضع سلمان، وورعه، وإجلاله للعرب، وإلاَّ فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلاَّ بالتقوى.
ولهذا فإن المسائل التي يسوغ فيها الاختلاف، والتي اختلف فيها من هم خير منا، نحو المسائل الاجتهادية التي لم يصح فيها نقل ونحو خلاف التنوع فلا يحل لأحد أن يثرب فيها على من خالفه أو يعيبه على ذلك.
قال الحافظ ابن عبد البر معلقاً على اختلاف الصحابة عندما وقع الطاعون بعمواس بالشام 18هـ قبل مجيء عبد الرحمن بن عوف وروايته لما صح عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه"6: وفيه دليل على أن المسألة إذا كان سبيلها الاجتهاد، ووقع فيها الاختلاف لم يجز لأحد القائلين فيه عيب مخالفه، ولا الطعن عليه، لأنهم اختلفوا. وهم القدوة، فلم يعب أحد منهم على صاحبه اجتهاده، ولا وجد عليه في نفسه، إلى الله الشكوى وهو المستعان، على أمة نحن بين أظهرها، تستحل الأعراض والدماء إذا خالفت فيما تجيء به من الخطأ)7.
قلت: رحم الله ابن البر، ماذا كان يقول إذا علم حال ما نحن بظهرانيهم الآن؟!.
احذر أخي المسلم أن تقلد دينك الرجال، وعليك أن تدور مع الحق والدليل حيث دار، واقتد وتأس بالأخيار، واعلم أن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وأزواجه والتابعين.
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم