تفسير سورة البقرة
الآيات (1-5)
الآيات الخمس الأولى :
أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم ،بسم الله الرحمن الرحيم
(الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5})(20)
الله عز وجل افتتح هذه السورة بحروف مقطعة ,وهنا فائدة ذكرها ابن كثير رحمه الله وهي أن كل السور التي افتتحها الله بحروف مقطعة تضمنت انتصار للقرءان والإشارة إليه إلّا سورتين أو ثلاث ,ومع ذلك هاتان السورتان ذُكر فيهما الإشارة لقرآن لكن هذا استطراد جيد .
افتتح الله تعالى الحديث بعد ذلك أشار الله تعالى بعد هذا الافتتاح الذي يشير إلى تحدي العرب بالقرءان الكريم, فمجمل أقوال المفسرين في الحروف المقطعة أنها لبيان إعجاز القرءان المؤلف من هذه الحروف التي نتحدّث بها ونتكلم بها , بها أجاز
ثم ذكر الله في الآية الأولى الثناء على القرءان ,
وهذه الآية هي أعظم آية تضمنت الثناء على القرءان في كتاب الله عز وجل, أعظم آية تضمنت الحديث عن القرءان وبيان كماله هذه الآية (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)
وتأملوا معي الصفات الأربع التي تضمنت هذه الآية فيها كمال القرءان :
أولا ً: قال الله عز وجل ( ذلك ) وذلك إشارة إلى ماذا ؟ بُعد،إذا قلت ذلك الرجل يعني بُعد مكانته في الرجولة ,ولله ولكلامه المثل الأعلى ,إذا قلت ذلك الكتاب يعني ذلك الكتاب قد بلغ منزلة عالية فهو كامل في منزلته ,هذه الصفة الأولى فهو كامل في منزلته فهو أعلى الكتب وأعظمها .
ثم قال (ذلك الكتاب) ولم يقل (ذلك القرءان ) بمعنى أي استغرق جميع معاني الكتاب,وتضمن في مضمونه جميع ما في الكتب كلها ,لأن الألف واللام كما تعلمون للإستغراق ,كأن نقول ذلك الرجل أو هذا الرجل أي الذي استغرق صفات الرجولة ,فقولنا الكتاب استغرق معاني الكتاب كله ,وكما ذكرت لكم أن هذا القرءان جمع الله تعالى فيه جميع الكتب كلها ,فهذه الصفة الثانية وهي كمال مضمونه كمال المضمون.
الصفة الثالثة : في قوله (لا ريب فيه )
أي لا نقص ولا ريب ولا خلل ولا أمر من أمور النقص والخلل فيه ,وعبّر بالريب دون الشك لأن الريب يشمل الشك وأقل, فليس فيه أدنى ريب واضطراب ,وليس فيه أدنى نقص من أي ناحية من نواحي النقص ،فهذا دال على الوصف الثالث وهو كمال سلامته من النقص ,كمال سلامته ومضمونه من النقص .
الوصف الرابع : كمال مقصده في قوله تعالى (هدى للمتقين )
فمقصده هو الهداية ,فهذا دليل على اكتمال المقصد فدلت هذه الآية على كمال القرءان من أربعة وجوه.
وقوله (هدى للمتقين ) ولم يقل (هدى للمؤمنين) لأنه هنا يشير إلى المنتفعين بالقرءان من هم المنتفعون بالقرءان ؟
المنتفعون بالقرءان هم الّذين تحلّوا بالتقوى ،والتقوى هي تجمع أمرين :
* الأمر الأول : هي التخلّي عن الموانع .
* الأمر الثاني : هي التحلّي بالأسباب الباعثة على الانتفاع .
تأملوا هذا جيدا التقوى تشتمل على أمرين عظيمين : التخلي عن الموانع والتحلي بالأسباب الجالبة الباعثة على الانتفاع ,فمن حقق هذان الوصفان حققهما تحقيقا ًصادقا ًفإنه سيحقق كمال التقوى كمال الهدى .
فماهي الموانع ؟
الموانع هي التكذيب والكفر والإعراض والرياء والغفلة وعدم التصديق وغير ذلك وكل ما يمنع من الانتفاع فهو داخل في هذا الباب .
وما هي الأسباب الباعثة ؟
التصديق والإقبال وحضور القلب ,والإيمان والرغبة , وغير ذلك . كل ذلك داخل في هذا المعنى فتأملوا هذا جيدا .
ثم قال الله عز وجل ({الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }البقرة4
فتأملوا هذا وصف من ؟ وصف المتقين ,المتقون هم الّذين آمنوا بالغيب وأقاموا الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ,فهذه ليست هي الصفات تحقيق التقوى وإنما الصفات من حقق التقوى وامتثل هذه الأعمال ,فالله عز وجل بيّن في صفات المتقين , المتقين المنتفعين بالقرءان هم الّذين حققوا هذه الصفات.
فانظروا هذه الصفات صفات من حقق كمال التقوى أو صفات من حقق كمال الاهتداء بالقرءان ,فلننظرما هي قال الله عز وجل (الّذين يؤمنون بالغيب) والغيب هو كلما أخبر الله عز وجل عنه ورسوله مما لا ندركه في عقولنا ,ومن الغيب ربنا عز وجل الذي نؤمن به ولم نره فهو من الغيب ,ومن الغيب الملائكة ,ومن الغيب علم الآخرة وأحوال الآخرة ,ومن الغيب ما لم يطلعنا الله عز وجل عليه أو يطلع أحد من خلقه وقد أخبرنا به , فمن حقق الإيمان بهذا الغيب تحقيقا ًصادقا ًفإنه قد اهتدى بكتاب الله عز وجل وهو أهل للانتفاع فبذلك افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب أي أن ذلك الأمر متجدد في نفوسهم مستمر فيهم .
وهنا مسألة لماذا افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب ولم يقل الّذين يؤمنون بالله ؟
هـــذا الافتتاح مناسب لأحوال العرب الّذين آمنوا ابتداءا ًبالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبهذا القرءان من غيرعلم سابق ,ولذلك أشار للقسم الثاني وهم أهل الكتاب الّذين آمنوا من أهل الكتاب قال : ( والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ )
فكأن الآية تضمنت طائفتين:1) الطائفة الأولى الّذين آمنوا من العرب أي آمنوا بالغيب من غير علم سابق فلم يكن عندهم علم من الكتاب سابق
2) ( والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) أي من أهل الكتاب الّذين سبق لهم كتاب الله عز وجل بما أنزله على رسلهم , فاشتملت الآية الطائفتين ،
وإنما ذكر الله تعالى الطائفتين ليكون ذلك باعثا ً للعرب وباعثا ًلأهل الكتاب أن يؤمنوا ,كأن الله تعالى يقول : يأهل الكتاب أنتم مذكورون أثنى الله عليكم في هذا القرءان فآمنوا وصدِّقوا فما أعظم هذا المعنى حينما نتأمله .
ثم قال الله عز وجل ( َيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) ما قال (يصلّون) لأن إقامة الصلاة القيام بالشيء هو أداءه على أكمل وجه ,فإذا قلت إنسان قائم يعني معتدل تمام الإعتدال ‘فحينما يؤدي الإنسان صلاته باعتدال وإقامة تامّة بأركانها وواجباتها وشروطها وسننها فــذلك الذي قام بالصلاة حق القيام.
ثم قال الله تعالى ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )
لاحظ أنه قال مما رزقناهم,كأنهم آمنوا واعترفوا بأن هذا رزق الله عز وجل فأنفقوا منه , والإنسان حينما يُنفق المال وهو يستشعر أن هذا مال الله وأن هذا من رزق الله وليس لي فيه فضل ,فذلك أعظم في صدقته ولا شك أعظم من الذي يستشعر أن هذا فضل منه على ذلك الفقير أو على ذلك المحتاج فلنستشعر هذا المعنى الدقيق أن الإنسان وهو يُنفق وهو يتصدق يقول ليس لي من ماله هذا شيئا ًإلّا مما آتاني الله ـ عز وجل ـ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأنفقوا من مال الله الذي آتاكم )
ثم قال هنا ينفقون ولم يقل ينفقون من أموالهم فماذا يدل عليه هذا الإطلاق دون التقييد ..ذكر شيخ الإسلام معنى لطيف ينبغي أن نستحضره قال : ( يدخل في هذه الآية جميع أنواع الإنفاق ,ومن أعظمه إنفاق العلم وبذله ,فأعظم ما ينفقه الإنسان هو نشر العلم والدعوة إلى الله ,وبذل الخير للناس , ويدخل فيه أيضا ًالأموال ,لكن أعظم الإنفاق مما رزقك الله مما مكّنك الله منه في ذلك كله)
فيدخل في ذلك المساهمة في وجوه الخير ,وفي جمعيات البر وجمعيات تحفيظ القرءان والدعوة إلى الله والجاليات , وفضل الله واسع .
ثم قال الله عز وجل (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ )البقرة4
هذا إشارة إلى المؤمنين من أهل الكتاب.
ثم (َبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
ختم الله عز وجل الصفات باليقين بالآخرة لأنه افتتح بالإيمان بالغيب , فاشتملت الآيات على ثلاثة أمور :
1) الإيمان بالغيب : ابتداءا ً
2) ثم عملا ً
3) ثم جزاءً.
لاحظوا يؤمنون الإيمان الكامل من حيث إيمانهم ابتداء بالله عز وجل وبما يلزم ذلك , ثم العمل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ,وإنما خصّ هذين العملين لأنهما أساس الأعمال المالية والبدنية ,فالصلاة تشير إلى الأعمال البدنية والزكاة أو الإنفاق تشير إلى الأعمال المالية وغير ذلك مما ذكره أهل العلم في هذا .
ثم ختم الله تعالى الآيات بقوله (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) البقرة5
تأملوا هذا الختام العظيم قال الله عز وجل (أُوْلَـئِكَ) فهم في درجة رفيعة قد حققوا الهدى كمال الهدى ,لأنه قال قبل ذلك (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)
من هم الّذين يحققون الكمال ؟
هؤلاء الّذين هذه صفاتهم , ثم بيّن الله جزاءهم فقال ( أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى) فقوله (على)أي تمكّنوا من الهدى تمكّنا ًكاملا ً, (فعلى) تُفيد التمكّن وإشارة بالبُعد ( أُوْلَـئِكَ)إشارة لبعيد تدل على بعد منزلته بالهدى ,
ثم قال (من ربهم ) أضاف الهدى من ربهم تشريفا ًوتكريما ًمنه سبحانه وتعالى .
ثم بيّن أنهم (مفلحون) والفلاح هو الفوز التام ,والظفر بالفوز التام في الدنيا بالسعادة والتوفيق والعون من الله وغير ذلك ,وفي الآخرة برضوان الله تعالى وجنته.
فانظروا كيف حازت هذه الآيات كمال صفات المؤمنين المهتدين بالقران نسأل الله أن يجعلنا منهم جميعا ً.
الآيات (1-5)
الآيات الخمس الأولى :
أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم ،بسم الله الرحمن الرحيم
(الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5})(20)
الله عز وجل افتتح هذه السورة بحروف مقطعة ,وهنا فائدة ذكرها ابن كثير رحمه الله وهي أن كل السور التي افتتحها الله بحروف مقطعة تضمنت انتصار للقرءان والإشارة إليه إلّا سورتين أو ثلاث ,ومع ذلك هاتان السورتان ذُكر فيهما الإشارة لقرآن لكن هذا استطراد جيد .
افتتح الله تعالى الحديث بعد ذلك أشار الله تعالى بعد هذا الافتتاح الذي يشير إلى تحدي العرب بالقرءان الكريم, فمجمل أقوال المفسرين في الحروف المقطعة أنها لبيان إعجاز القرءان المؤلف من هذه الحروف التي نتحدّث بها ونتكلم بها , بها أجاز
ثم ذكر الله في الآية الأولى الثناء على القرءان ,
وهذه الآية هي أعظم آية تضمنت الثناء على القرءان في كتاب الله عز وجل, أعظم آية تضمنت الحديث عن القرءان وبيان كماله هذه الآية (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ)
وتأملوا معي الصفات الأربع التي تضمنت هذه الآية فيها كمال القرءان :
أولا ً: قال الله عز وجل ( ذلك ) وذلك إشارة إلى ماذا ؟ بُعد،إذا قلت ذلك الرجل يعني بُعد مكانته في الرجولة ,ولله ولكلامه المثل الأعلى ,إذا قلت ذلك الكتاب يعني ذلك الكتاب قد بلغ منزلة عالية فهو كامل في منزلته ,هذه الصفة الأولى فهو كامل في منزلته فهو أعلى الكتب وأعظمها .
ثم قال (ذلك الكتاب) ولم يقل (ذلك القرءان ) بمعنى أي استغرق جميع معاني الكتاب,وتضمن في مضمونه جميع ما في الكتب كلها ,لأن الألف واللام كما تعلمون للإستغراق ,كأن نقول ذلك الرجل أو هذا الرجل أي الذي استغرق صفات الرجولة ,فقولنا الكتاب استغرق معاني الكتاب كله ,وكما ذكرت لكم أن هذا القرءان جمع الله تعالى فيه جميع الكتب كلها ,فهذه الصفة الثانية وهي كمال مضمونه كمال المضمون.
الصفة الثالثة : في قوله (لا ريب فيه )
أي لا نقص ولا ريب ولا خلل ولا أمر من أمور النقص والخلل فيه ,وعبّر بالريب دون الشك لأن الريب يشمل الشك وأقل, فليس فيه أدنى ريب واضطراب ,وليس فيه أدنى نقص من أي ناحية من نواحي النقص ،فهذا دال على الوصف الثالث وهو كمال سلامته من النقص ,كمال سلامته ومضمونه من النقص .
الوصف الرابع : كمال مقصده في قوله تعالى (هدى للمتقين )
فمقصده هو الهداية ,فهذا دليل على اكتمال المقصد فدلت هذه الآية على كمال القرءان من أربعة وجوه.
وقوله (هدى للمتقين ) ولم يقل (هدى للمؤمنين) لأنه هنا يشير إلى المنتفعين بالقرءان من هم المنتفعون بالقرءان ؟
المنتفعون بالقرءان هم الّذين تحلّوا بالتقوى ،والتقوى هي تجمع أمرين :
* الأمر الأول : هي التخلّي عن الموانع .
* الأمر الثاني : هي التحلّي بالأسباب الباعثة على الانتفاع .
تأملوا هذا جيدا التقوى تشتمل على أمرين عظيمين : التخلي عن الموانع والتحلي بالأسباب الجالبة الباعثة على الانتفاع ,فمن حقق هذان الوصفان حققهما تحقيقا ًصادقا ًفإنه سيحقق كمال التقوى كمال الهدى .
فماهي الموانع ؟
الموانع هي التكذيب والكفر والإعراض والرياء والغفلة وعدم التصديق وغير ذلك وكل ما يمنع من الانتفاع فهو داخل في هذا الباب .
وما هي الأسباب الباعثة ؟
التصديق والإقبال وحضور القلب ,والإيمان والرغبة , وغير ذلك . كل ذلك داخل في هذا المعنى فتأملوا هذا جيدا .
ثم قال الله عز وجل ({الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }البقرة4
فتأملوا هذا وصف من ؟ وصف المتقين ,المتقون هم الّذين آمنوا بالغيب وأقاموا الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ,فهذه ليست هي الصفات تحقيق التقوى وإنما الصفات من حقق التقوى وامتثل هذه الأعمال ,فالله عز وجل بيّن في صفات المتقين , المتقين المنتفعين بالقرءان هم الّذين حققوا هذه الصفات.
فانظروا هذه الصفات صفات من حقق كمال التقوى أو صفات من حقق كمال الاهتداء بالقرءان ,فلننظرما هي قال الله عز وجل (الّذين يؤمنون بالغيب) والغيب هو كلما أخبر الله عز وجل عنه ورسوله مما لا ندركه في عقولنا ,ومن الغيب ربنا عز وجل الذي نؤمن به ولم نره فهو من الغيب ,ومن الغيب الملائكة ,ومن الغيب علم الآخرة وأحوال الآخرة ,ومن الغيب ما لم يطلعنا الله عز وجل عليه أو يطلع أحد من خلقه وقد أخبرنا به , فمن حقق الإيمان بهذا الغيب تحقيقا ًصادقا ًفإنه قد اهتدى بكتاب الله عز وجل وهو أهل للانتفاع فبذلك افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب أي أن ذلك الأمر متجدد في نفوسهم مستمر فيهم .
وهنا مسألة لماذا افتتح الله تعالى الصفات بالإيمان بالغيب ولم يقل الّذين يؤمنون بالله ؟
هـــذا الافتتاح مناسب لأحوال العرب الّذين آمنوا ابتداءا ًبالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبهذا القرءان من غيرعلم سابق ,ولذلك أشار للقسم الثاني وهم أهل الكتاب الّذين آمنوا من أهل الكتاب قال : ( والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ )
فكأن الآية تضمنت طائفتين:1) الطائفة الأولى الّذين آمنوا من العرب أي آمنوا بالغيب من غير علم سابق فلم يكن عندهم علم من الكتاب سابق
2) ( والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) أي من أهل الكتاب الّذين سبق لهم كتاب الله عز وجل بما أنزله على رسلهم , فاشتملت الآية الطائفتين ،
وإنما ذكر الله تعالى الطائفتين ليكون ذلك باعثا ً للعرب وباعثا ًلأهل الكتاب أن يؤمنوا ,كأن الله تعالى يقول : يأهل الكتاب أنتم مذكورون أثنى الله عليكم في هذا القرءان فآمنوا وصدِّقوا فما أعظم هذا المعنى حينما نتأمله .
ثم قال الله عز وجل ( َيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ) ما قال (يصلّون) لأن إقامة الصلاة القيام بالشيء هو أداءه على أكمل وجه ,فإذا قلت إنسان قائم يعني معتدل تمام الإعتدال ‘فحينما يؤدي الإنسان صلاته باعتدال وإقامة تامّة بأركانها وواجباتها وشروطها وسننها فــذلك الذي قام بالصلاة حق القيام.
ثم قال الله تعالى ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )
لاحظ أنه قال مما رزقناهم,كأنهم آمنوا واعترفوا بأن هذا رزق الله عز وجل فأنفقوا منه , والإنسان حينما يُنفق المال وهو يستشعر أن هذا مال الله وأن هذا من رزق الله وليس لي فيه فضل ,فذلك أعظم في صدقته ولا شك أعظم من الذي يستشعر أن هذا فضل منه على ذلك الفقير أو على ذلك المحتاج فلنستشعر هذا المعنى الدقيق أن الإنسان وهو يُنفق وهو يتصدق يقول ليس لي من ماله هذا شيئا ًإلّا مما آتاني الله ـ عز وجل ـ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأنفقوا من مال الله الذي آتاكم )
ثم قال هنا ينفقون ولم يقل ينفقون من أموالهم فماذا يدل عليه هذا الإطلاق دون التقييد ..ذكر شيخ الإسلام معنى لطيف ينبغي أن نستحضره قال : ( يدخل في هذه الآية جميع أنواع الإنفاق ,ومن أعظمه إنفاق العلم وبذله ,فأعظم ما ينفقه الإنسان هو نشر العلم والدعوة إلى الله ,وبذل الخير للناس , ويدخل فيه أيضا ًالأموال ,لكن أعظم الإنفاق مما رزقك الله مما مكّنك الله منه في ذلك كله)
فيدخل في ذلك المساهمة في وجوه الخير ,وفي جمعيات البر وجمعيات تحفيظ القرءان والدعوة إلى الله والجاليات , وفضل الله واسع .
ثم قال الله عز وجل (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ )البقرة4
هذا إشارة إلى المؤمنين من أهل الكتاب.
ثم (َبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)
ختم الله عز وجل الصفات باليقين بالآخرة لأنه افتتح بالإيمان بالغيب , فاشتملت الآيات على ثلاثة أمور :
1) الإيمان بالغيب : ابتداءا ً
2) ثم عملا ً
3) ثم جزاءً.
لاحظوا يؤمنون الإيمان الكامل من حيث إيمانهم ابتداء بالله عز وجل وبما يلزم ذلك , ثم العمل إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ,وإنما خصّ هذين العملين لأنهما أساس الأعمال المالية والبدنية ,فالصلاة تشير إلى الأعمال البدنية والزكاة أو الإنفاق تشير إلى الأعمال المالية وغير ذلك مما ذكره أهل العلم في هذا .
ثم ختم الله تعالى الآيات بقوله (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) البقرة5
تأملوا هذا الختام العظيم قال الله عز وجل (أُوْلَـئِكَ) فهم في درجة رفيعة قد حققوا الهدى كمال الهدى ,لأنه قال قبل ذلك (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ)
من هم الّذين يحققون الكمال ؟
هؤلاء الّذين هذه صفاتهم , ثم بيّن الله جزاءهم فقال ( أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى) فقوله (على)أي تمكّنوا من الهدى تمكّنا ًكاملا ً, (فعلى) تُفيد التمكّن وإشارة بالبُعد ( أُوْلَـئِكَ)إشارة لبعيد تدل على بعد منزلته بالهدى ,
ثم قال (من ربهم ) أضاف الهدى من ربهم تشريفا ًوتكريما ًمنه سبحانه وتعالى .
ثم بيّن أنهم (مفلحون) والفلاح هو الفوز التام ,والظفر بالفوز التام في الدنيا بالسعادة والتوفيق والعون من الله وغير ذلك ,وفي الآخرة برضوان الله تعالى وجنته.
فانظروا كيف حازت هذه الآيات كمال صفات المؤمنين المهتدين بالقران نسأل الله أن يجعلنا منهم جميعا ً.
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم