تُعْرَضُ الفتن على القلوب كالحصير للدكتور وجدي غنيم
الســلام عليكــم ورحمــة الله وبركاتــه
من هدايات السنة النبوية
حديث الفتن
إن التقوى مَنْجَاة من الفتن وغلوائها ، وعاصم من الشيطان وحبائله .
من اتقى الله تعالى في سره وعلانيته ، وفي سرائه وضرائه نجا في الدنيا من أكدارها ، وفاز في الآخرة بسرائها :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
[آل عمران:102]،
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
[النساء:1]،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
[الأحزاب: 70 – 71].
وطاعة الله تعالى لا تكون إلا بطاعة الرسولِ صلى الله عليه وسلم :
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}
[النساء: 80].
والنبي صلى الله عليه وسلم أبان الدين ، وأوْضَح المَحَجَّة ، وذكر الفتن وما يكون سببًا للوقوع فيها ، وما يَعصِمُ منها :
{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[الأنفال: 42].
فقد روى حُذَيْفَة بن اليَمَان رضي الله عنهما قال :
"كنَّا عند عمر ، فقال : أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن ؟
فقال قومٌ : نحن سمعناه ،
فقال : لعلكم تعْنُونَ فِتنة الرجل في أهله وجاره ؟ قالوا : أجل ،
قال : تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ؛
ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموجُ موج البحر ؟
قال حذيفة : فأسكت القومُ ، فقلت : أنا ،
قال : أنت ، لله أبوك !
قال حذيفة : سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(تُعْرَضُ الفتن على القلوب ؛ كالحصير عودًا عودًا ،
فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء ، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين ،
على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض ،
والآخر أسود مُرْبَادًّا ؛ كالكوز مُجَخِّيًا ، لا يعرف معروفًا ، ولا ينكر منكرًا ، إلا ما أُشْرِبَ من هواه) ،
قال حذيفة : " وحدَّثته أنَّ بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يُكسر ،
قال عمر : أكسرًا لا أبا لك ، فلو فُتح لعله كان يعاد ،
قلت : لا ، بل يكسر ،
وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يُقتل أو يموت ، حديثًا ليس بالأغاليظ" ؛أخرجه مسلم وأحمد .لقد حرص عمر رضي الله عنه على معرفة أخبار الفتن حتى يتوقاها ، وأخبرهم أنه لا يريد معرفة فتنة الرجل الخاصة في أهله ؛ وإنما يريد معرفة الفتنة العامة .
وقد أثبت الحديث أن أهل الرجل فتنةٌ له ، وفتنته في أهله وماله وولده على ضروب عدة :من فرط محبته لهم ، وشحه عليهم ، وشغله بهم عن كثير من الخير ،
وفي هذه المعاني قال الله تعالى :
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}
[التغابن: 15]
وفي الحديث الصحيح قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(الولد مبخلة مجبنة) ؛
أخرجه أحمد وابن ماجه ،
فهذا وجه من الفِتْنَة بهم .
ووجه آخر : وهو تفريطه بما يلزم من القيام بحقوقهم ، وتأديبهم وتعليمهم ؛
فإنه راعٍ لهم ومسؤول عن رعيته ، وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا .
فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة ، ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات والأعمال الصالحة .
[شرح النووي على مسلم ] ؛
كما قال الله تعالى :
{إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
[هود: 114]،
وقال عمر عن هذا النوع من الفتن: "تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
إن عمر رضي الله عنه كان يريد معرفة الفتن الكبرى التي تموج موج البحر ؛ فأخبره حذيفة رضي الله عنه .
وحذيفة هو أحفظ الصحابة لحديث الفتن ، وهو أمين سِرِّ النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين ؛
فأخبره حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(تعرض الفتن على القلوب ؛ كالحصير عودًا عودًا) ؛
أي : كما ينسج الحصير عودًا عودًا ، وشطبة بعد أخرى ؛
ذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه ،
فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد .
[شرح النووي على مسلم ].
إذًا فالفتن تَرِدُ على القلب شيئًا شيئًا ، وبما أن الإنسان قابل للخير والشر ؛ إذ فيه عقلٌ وشهوة ، فإنَّ شهوته إذا غَلَبَتْ عَقْلَهُ وَلِجَتِ الفِتْنَةُ قلبه ، وإذا غلب عقله شهوته رفض الفتنة وأنكرها .
قال : (فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها) ؛
أي: أيُّ قلب تَمَكَّنَتِ الفِتْنَةُ منه ، وحلَّتْ مَحَلَّ الشراب من مَحَبَّتِها وتعلُّقه بها كما قال الله تعالى عن بني إسرائيل :
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}
[البقرة: 93]
فَمَنْ كان كذلك (نُكِتَ في قلبه نُكْتة سوداء)
قال ابن دُرَيْد : "كلُّ نُقْطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت"
وهذا هو القلب الذي يخشى عليه من الفساد ويخشى عل صاحبه من الهلاك
وأمَّا القلب الآخر فهو المنكر لها ، المعرض عنها ، الذي يرفضها ويأباها :
(وأي قلب أُنْكِرَها نُكِتَ فيه نكتة بيضاء)
وهذا هو القلب الصالح السليمُ ، الذي سلم من أوضار الشرك والبدعة ، وأدران الموبقات والكبائر .
وحينئذ (تَصيرُ على قَلْبَيْنِ) :
قلب صالح سليم طيب (أبيض مثل الصفا)
والصفا : هو الحجر الأملس الذي لا يَعْلَقُ به شَيْءٌ ، وكذلك القلب السليم لا تَعْلَقُ به فِتْنَةٌ .
ولذا قال : (فلا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامت السموات والأرض).
وأما الآخر فداخلته الفتنة وأُشربها ؛ حتى امتلأ بها ، وتراكمت عليه فسودته آثارها ،
قال: (والآخر أسود مُرْبَادًّا ؛ كالكوز مُجَخيًا) ؛
أي: كالكأس المائل أو المنكوس[شرح النووي ]،
يسكب ما في داخله من الإيمان بقدر ميوله إلى الهوى ، وانتكاسه عن الحق ، كما يسكب الكأس ما فيه من ماء بقدر ميوله وانتكاسه .
قال المنذري رحمه الله تعالى :
"ومعنى الحديث : أن القلب إذا افتتن وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان ؛ كما يخرج الماء من الكوز إذا مال وانتكس"
[الترغيب والترهيب ].
وصاحب هذا القلب المائل عن الحق المنتكس عن الفطرة تجده :
(لا يعرف معروفًا ، ولا ينكر منكرًا ، إلا ما أشرب من هواه) الذي يَهواه قلبه الفاسد .
ورضي الله عن عمر وأرضاه ، لقد كان بابًا دون الفتنة مغلقًا ، وسدًّا يمنعها حصينًا ،
ففي رواية أخرى لما سمِع عمر حديث الفتنة رفع يديه وقال :
"اللهم لا تدركني"
فقال حذيفة: "لا تخف"
[فتح الباري لابن حجر ]،
إن عمر رضي الله عنه ما أدرك الفتن ؛ لأنه كان بابها الذي يُكسر ، قال حذيفة :
"إن بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يكسر ،
قال عُمَر : أكسرًا لا أبا لك ، فلو أنه فتح لعله كان يُعاد ،
قلت : بل يكسر ، وحدثته أن ذلك الباب رجل يُقتل أو يموت ، حديثًا ليس بالأغاليط" ؛
أي: حدثته حديثًا صدقًا محققًا ليس من صحف الكتابيين ، ولا من اجتهاد ذي رأي ؛
بل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
[فتح الباري لابن حجر ].
والمعنى: أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر رضي الله عنه ، وهو الباب ، فما دام حيًّا لا تدخل الفتن ، فإذا ماتَ دخلتِ الفِتَنُ ، وكذا كان
[شرح النووي ]؛
إذ قتل عمر رضي الله عنه ، فانكسر الباب ، وانثلم الإسلام ثلمة بقتله ، صار من جرائها الاختلاف والاقتتال بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولذلك عبر بكسر الباب ولم يعبر بالفتح ؛ لأن الباب المفتوح يُرجى إغلاقه بخلاف الباب المنكسر .
وقد كان بعض الصحابة يعلم أن عمرَ هو الباب الذي بينهم وبين الفتنة ؛ فقد لقي عمرُ أبا ذر فأخذ بيده فغمزها وكان عمر رجلاً شديدًا ،
فقال له أبو ذر : "أرسل يدي يا قفل الفتنة" ،
فقال عمر : وما قفل الفتنة ؟
قال : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ورسول الله جالس وقدِ اجتمع عليه الناس ، فجلست في آخرهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لا يصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم)
[أخرجه الطبراني ]،
ومرة قال عثمان بن مظعون مخاطبًا عمر :
"يا غُلْق الفتنة"
[أخرجه البزار ]،
وصدقوا فيما قالوا إذ قتل عمر ؛ فظهرت الفتن وتفشت ، فصار بعض الأمة يلعن بعضًا ، ويقتل بعضها بعضًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}
[الأنعام: 65].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الســلام عليكــم ورحمــة الله وبركاتــه
من هدايات السنة النبوية
حديث الفتن
إن التقوى مَنْجَاة من الفتن وغلوائها ، وعاصم من الشيطان وحبائله .
من اتقى الله تعالى في سره وعلانيته ، وفي سرائه وضرائه نجا في الدنيا من أكدارها ، وفاز في الآخرة بسرائها :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
[آل عمران:102]،
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
[النساء:1]،
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
[الأحزاب: 70 – 71].
وطاعة الله تعالى لا تكون إلا بطاعة الرسولِ صلى الله عليه وسلم :
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}
[النساء: 80].
والنبي صلى الله عليه وسلم أبان الدين ، وأوْضَح المَحَجَّة ، وذكر الفتن وما يكون سببًا للوقوع فيها ، وما يَعصِمُ منها :
{لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}
[الأنفال: 42].
فقد روى حُذَيْفَة بن اليَمَان رضي الله عنهما قال :
"كنَّا عند عمر ، فقال : أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن ؟
فقال قومٌ : نحن سمعناه ،
فقال : لعلكم تعْنُونَ فِتنة الرجل في أهله وجاره ؟ قالوا : أجل ،
قال : تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة ؛
ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموجُ موج البحر ؟
قال حذيفة : فأسكت القومُ ، فقلت : أنا ،
قال : أنت ، لله أبوك !
قال حذيفة : سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(تُعْرَضُ الفتن على القلوب ؛ كالحصير عودًا عودًا ،
فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء ، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين ،
على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ ما دامت السموات والأرض ،
والآخر أسود مُرْبَادًّا ؛ كالكوز مُجَخِّيًا ، لا يعرف معروفًا ، ولا ينكر منكرًا ، إلا ما أُشْرِبَ من هواه) ،
قال حذيفة : " وحدَّثته أنَّ بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يُكسر ،
قال عمر : أكسرًا لا أبا لك ، فلو فُتح لعله كان يعاد ،
قلت : لا ، بل يكسر ،
وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يُقتل أو يموت ، حديثًا ليس بالأغاليظ" ؛أخرجه مسلم وأحمد .لقد حرص عمر رضي الله عنه على معرفة أخبار الفتن حتى يتوقاها ، وأخبرهم أنه لا يريد معرفة فتنة الرجل الخاصة في أهله ؛ وإنما يريد معرفة الفتنة العامة .
وقد أثبت الحديث أن أهل الرجل فتنةٌ له ، وفتنته في أهله وماله وولده على ضروب عدة :من فرط محبته لهم ، وشحه عليهم ، وشغله بهم عن كثير من الخير ،
وفي هذه المعاني قال الله تعالى :
{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ}
[التغابن: 15]
وفي الحديث الصحيح قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(الولد مبخلة مجبنة) ؛
أخرجه أحمد وابن ماجه ،
فهذا وجه من الفِتْنَة بهم .
ووجه آخر : وهو تفريطه بما يلزم من القيام بحقوقهم ، وتأديبهم وتعليمهم ؛
فإنه راعٍ لهم ومسؤول عن رعيته ، وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا .
فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة ، ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات والأعمال الصالحة .
[شرح النووي على مسلم ] ؛
كما قال الله تعالى :
{إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
[هود: 114]،
وقال عمر عن هذا النوع من الفتن: "تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
إن عمر رضي الله عنه كان يريد معرفة الفتن الكبرى التي تموج موج البحر ؛ فأخبره حذيفة رضي الله عنه .
وحذيفة هو أحفظ الصحابة لحديث الفتن ، وهو أمين سِرِّ النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين ؛
فأخبره حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(تعرض الفتن على القلوب ؛ كالحصير عودًا عودًا) ؛
أي : كما ينسج الحصير عودًا عودًا ، وشطبة بعد أخرى ؛
ذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه ،
فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد .
[شرح النووي على مسلم ].
إذًا فالفتن تَرِدُ على القلب شيئًا شيئًا ، وبما أن الإنسان قابل للخير والشر ؛ إذ فيه عقلٌ وشهوة ، فإنَّ شهوته إذا غَلَبَتْ عَقْلَهُ وَلِجَتِ الفِتْنَةُ قلبه ، وإذا غلب عقله شهوته رفض الفتنة وأنكرها .
قال : (فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها) ؛
أي: أيُّ قلب تَمَكَّنَتِ الفِتْنَةُ منه ، وحلَّتْ مَحَلَّ الشراب من مَحَبَّتِها وتعلُّقه بها كما قال الله تعالى عن بني إسرائيل :
{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ}
[البقرة: 93]
فَمَنْ كان كذلك (نُكِتَ في قلبه نُكْتة سوداء)
قال ابن دُرَيْد : "كلُّ نُقْطة في شيء بخلاف لونه فهو نكت"
وهذا هو القلب الذي يخشى عليه من الفساد ويخشى عل صاحبه من الهلاك
وأمَّا القلب الآخر فهو المنكر لها ، المعرض عنها ، الذي يرفضها ويأباها :
(وأي قلب أُنْكِرَها نُكِتَ فيه نكتة بيضاء)
وهذا هو القلب الصالح السليمُ ، الذي سلم من أوضار الشرك والبدعة ، وأدران الموبقات والكبائر .
وحينئذ (تَصيرُ على قَلْبَيْنِ) :
قلب صالح سليم طيب (أبيض مثل الصفا)
والصفا : هو الحجر الأملس الذي لا يَعْلَقُ به شَيْءٌ ، وكذلك القلب السليم لا تَعْلَقُ به فِتْنَةٌ .
ولذا قال : (فلا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامت السموات والأرض).
وأما الآخر فداخلته الفتنة وأُشربها ؛ حتى امتلأ بها ، وتراكمت عليه فسودته آثارها ،
قال: (والآخر أسود مُرْبَادًّا ؛ كالكوز مُجَخيًا) ؛
أي: كالكأس المائل أو المنكوس[شرح النووي ]،
يسكب ما في داخله من الإيمان بقدر ميوله إلى الهوى ، وانتكاسه عن الحق ، كما يسكب الكأس ما فيه من ماء بقدر ميوله وانتكاسه .
قال المنذري رحمه الله تعالى :
"ومعنى الحديث : أن القلب إذا افتتن وخرجت منه حرمة المعاصي والمنكرات خرج منه نور الإيمان ؛ كما يخرج الماء من الكوز إذا مال وانتكس"
[الترغيب والترهيب ].
وصاحب هذا القلب المائل عن الحق المنتكس عن الفطرة تجده :
(لا يعرف معروفًا ، ولا ينكر منكرًا ، إلا ما أشرب من هواه) الذي يَهواه قلبه الفاسد .
ورضي الله عن عمر وأرضاه ، لقد كان بابًا دون الفتنة مغلقًا ، وسدًّا يمنعها حصينًا ،
ففي رواية أخرى لما سمِع عمر حديث الفتنة رفع يديه وقال :
"اللهم لا تدركني"
فقال حذيفة: "لا تخف"
[فتح الباري لابن حجر ]،
إن عمر رضي الله عنه ما أدرك الفتن ؛ لأنه كان بابها الذي يُكسر ، قال حذيفة :
"إن بينك وبينها بابًا مغلقًا يوشك أن يكسر ،
قال عُمَر : أكسرًا لا أبا لك ، فلو أنه فتح لعله كان يُعاد ،
قلت : بل يكسر ، وحدثته أن ذلك الباب رجل يُقتل أو يموت ، حديثًا ليس بالأغاليط" ؛
أي: حدثته حديثًا صدقًا محققًا ليس من صحف الكتابيين ، ولا من اجتهاد ذي رأي ؛
بل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
[فتح الباري لابن حجر ].
والمعنى: أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر رضي الله عنه ، وهو الباب ، فما دام حيًّا لا تدخل الفتن ، فإذا ماتَ دخلتِ الفِتَنُ ، وكذا كان
[شرح النووي ]؛
إذ قتل عمر رضي الله عنه ، فانكسر الباب ، وانثلم الإسلام ثلمة بقتله ، صار من جرائها الاختلاف والاقتتال بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولذلك عبر بكسر الباب ولم يعبر بالفتح ؛ لأن الباب المفتوح يُرجى إغلاقه بخلاف الباب المنكسر .
وقد كان بعض الصحابة يعلم أن عمرَ هو الباب الذي بينهم وبين الفتنة ؛ فقد لقي عمرُ أبا ذر فأخذ بيده فغمزها وكان عمر رجلاً شديدًا ،
فقال له أبو ذر : "أرسل يدي يا قفل الفتنة" ،
فقال عمر : وما قفل الفتنة ؟
قال : جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ورسول الله جالس وقدِ اجتمع عليه الناس ، فجلست في آخرهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(لا يصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم)
[أخرجه الطبراني ]،
ومرة قال عثمان بن مظعون مخاطبًا عمر :
"يا غُلْق الفتنة"
[أخرجه البزار ]،
وصدقوا فيما قالوا إذ قتل عمر ؛ فظهرت الفتن وتفشت ، فصار بعض الأمة يلعن بعضًا ، ويقتل بعضها بعضًا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}
[الأنعام: 65].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم