الطاولة الخضراء
بقلم:أم مجاهد: منى دولة
جلس سالم وراء القضبان الحديدية شارد الذهن، حائر النظرات، تدور عيناه وتجولان في هذا المكان الموحش، ويكاد لا يصدق نفسه، هل أنا حقًّا في السجن؟! في زنزانة باردة مقفرة إلا من هذا الكرسي.... لا أكاد أصدق، وشريط الأحداث يدور ويدور سريعًا بكل ما فيه من الألم.. لا أذكر تماما كيف كانت البداية، رحمك الله يا أبي، كنت رجلًا صالحا وتاجرا أمينًا ، بدأت سُلّم حياتك من الصفر كما يقولون، ثم شققت طريق نجاحك بساعديك القويين... دكانك الصغير أذكره تماما.. طالما رافقتك ذهابا وإيابا وأنا طفل صغير، وبجدك وأمانتك وفضل الله عليك أولًا وأخرا أصبحت من أكبر تجار السوق، وتضاعف المال وأصبح الدكان ثلاثة، واشتريت لنا دارا جميلة تطل على النهر الكبير... كل أحلامي وإخواني أصبحت حقيقة، وشجعتنا على التعلم.. .......وكان الجميع كما أحببت، فأخي الكبير أصبح مهندسًا في إحدى الدوائر الحكومية، وأختي أصبحت مدرسة وتزوجت واستقرت في منزل زوجها، وأنا ورثت عنك حب التجارة والأعمال الحرة، وأصبحت مكانك في السوق، سمعتي مثل الذهب، وكلمتي تقدر بالمال، وكل شيء على أحسن ما يرام، إلى أن جاء ذلك اليوم، جاءني شيطان من شياطين الإنس كان دائم التردد على دكاني:- ما رأيك في تناول العشاء معي الليلة؟ لم أتشجع لعرضه كثيرا، فأنا لا أحب تناول العشاء إلا مع أمي... التي تنتظرني مهما تأخرت، ولا يؤخرني عنها إلا الزبائن وأحوال السوق، لكنه ألح كثيرا قائلًا بأن اليوم يوم الافتتاح الكبير للمقهى الجديد الفاخر، فلم أجد بأسا من مرافقته، فالتغيير أحيانا مفيد، فإذا بالمقهى ملهى للقمار، قلت في نفسي: لا بأس سأتفرج فقط... وكان كل شيء غريبا، طاولات القمار وعجلات الروليت تدور وتدور معها الآلاف من الأموال بل قل الملايين، والحضور طراز آخر من البشر، تحسبهم غرباء من كوكب آخر، ولكن الحقيقة أنك الغريب...لا أدري ماذا حدث ولا كيف حدث، وجدتني أجرب حظي كما يقولون، أول جولة ربحت وشعرت أن الأمر جدا سهل، ربح وفير هكذا بضربة حظ، وكان الفخ الكبير، وكانت بداية النهاية....يومين بعدها ووجدتني في الملهى ذاتة وعجلات الروليت تدور ويدور معها رأسي وأموالي.
لعبت وربحت وخسرت ولم أبالِ، فلم أقامر إلا بالقليل من المال، مبالغ صغيرة بالنسبة لي لن تؤثر على تجارتي وسيولة أموالي. وأخفيت خطواتي إلى ذلك المكان الآسر عن الجميع حتى عن أمي الغالية... لكنه قلب الأم شديد الحساسية.. مرصاد.. ترمومتر، سألتني وألحت وأقسمت علي فكان لا بد من الاعتراف.. بكت ليلتها كما لم تبك عمرها، ورجتنى ألا أذهب وحذرتني من غضب الله، وإلا فستمحق البركة من المال بل من كل حياتي. اهتز قلبي وكياني كله من كلمة واحدة قالتها: اجتنب هذا الطريق؛ إنه رجس من عمل الشيطان ، أو ائذن بحرب من الله ورسوله. استغفرت ربي وعزمت على عدم العودة لذلك الملهى فأنا حقا أخاف غضب الله، ولكن لا أدرى ماذا حدث؟! فأنا صاحب الإرادة الحديدية وسرعان ما وجدتني على طاولة الروليت من جديد تدور وتدور معها هذه المرة الملايين من أموالي وكان كل شيء أسرع مما تخيلت، وأسرع مما يستوعبه العقل.... ضاع المحل ثم البيت، فأنا كنت قد اشتريت حصص الورثة بناء على طلبهم بعد أن علموا بقصتي مع طاولة الروليت وصالات القمار... ويبدو أن القصة دائما واحدة، بداية سريعة ونهاية أسرع بدمار وضياع كل شيء.. حقا لقد ضاع كل شيء. صوت قوي حازم أفاقني من شرودي... قم يا سالم فأمك بالخارج .............أمي الحبيبة الحنون، كنت سببا فى دخولها أقسام الشرطة ودهاليز المحاكم... لقد باعت نصف ما تملك وأنفقته سدادا لديوني لتنقذني من مكاني الموحش خلف القضبان الحديدية الصماء. قبّلت رأسها ويديها ورجليها... نادم أنا أشد الندم... من الآن فصاعدا سأشق طريقي بعزم وقوة وإرادة حديدية لأعوض ما أضاعه القمار، وعهد صادق على تطليق الأيام السوداء بالثلاثة دون رجوع وصدق عز من قائل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " حرم الله سبحانه القمار وقال " فاجتنبوه " ومعناها الابتعاد عن كل ما يؤدي إليه من وسائل بل إن كلمة اجتنبوه تفيد التحريم القطعي. ومن الحكم من تحريم القمار أنه وسيلة للحصول على مال دون حق " وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" ثم إن هذه الوسيلة كثيرا ما تحرق أعصاب المقامرين وتؤدي بهم إلى عداوة فمشاجرة قد تفضي إلى الجريمة. لذلك القرآن الكريم صور القمار أشنع تصوير إذ جعله عملا من أعمال الشيطان المدمرة " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ "
إن الإنسان خلق من أجل العبادة فقط " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " والقمار يلهي الإنسان عن صلاته وعبادته وعن ذكر الله " ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ".
بقلم:أم مجاهد: منى دولة
جلس سالم وراء القضبان الحديدية شارد الذهن، حائر النظرات، تدور عيناه وتجولان في هذا المكان الموحش، ويكاد لا يصدق نفسه، هل أنا حقًّا في السجن؟! في زنزانة باردة مقفرة إلا من هذا الكرسي.... لا أكاد أصدق، وشريط الأحداث يدور ويدور سريعًا بكل ما فيه من الألم.. لا أذكر تماما كيف كانت البداية، رحمك الله يا أبي، كنت رجلًا صالحا وتاجرا أمينًا ، بدأت سُلّم حياتك من الصفر كما يقولون، ثم شققت طريق نجاحك بساعديك القويين... دكانك الصغير أذكره تماما.. طالما رافقتك ذهابا وإيابا وأنا طفل صغير، وبجدك وأمانتك وفضل الله عليك أولًا وأخرا أصبحت من أكبر تجار السوق، وتضاعف المال وأصبح الدكان ثلاثة، واشتريت لنا دارا جميلة تطل على النهر الكبير... كل أحلامي وإخواني أصبحت حقيقة، وشجعتنا على التعلم.. .......وكان الجميع كما أحببت، فأخي الكبير أصبح مهندسًا في إحدى الدوائر الحكومية، وأختي أصبحت مدرسة وتزوجت واستقرت في منزل زوجها، وأنا ورثت عنك حب التجارة والأعمال الحرة، وأصبحت مكانك في السوق، سمعتي مثل الذهب، وكلمتي تقدر بالمال، وكل شيء على أحسن ما يرام، إلى أن جاء ذلك اليوم، جاءني شيطان من شياطين الإنس كان دائم التردد على دكاني:- ما رأيك في تناول العشاء معي الليلة؟ لم أتشجع لعرضه كثيرا، فأنا لا أحب تناول العشاء إلا مع أمي... التي تنتظرني مهما تأخرت، ولا يؤخرني عنها إلا الزبائن وأحوال السوق، لكنه ألح كثيرا قائلًا بأن اليوم يوم الافتتاح الكبير للمقهى الجديد الفاخر، فلم أجد بأسا من مرافقته، فالتغيير أحيانا مفيد، فإذا بالمقهى ملهى للقمار، قلت في نفسي: لا بأس سأتفرج فقط... وكان كل شيء غريبا، طاولات القمار وعجلات الروليت تدور وتدور معها الآلاف من الأموال بل قل الملايين، والحضور طراز آخر من البشر، تحسبهم غرباء من كوكب آخر، ولكن الحقيقة أنك الغريب...لا أدري ماذا حدث ولا كيف حدث، وجدتني أجرب حظي كما يقولون، أول جولة ربحت وشعرت أن الأمر جدا سهل، ربح وفير هكذا بضربة حظ، وكان الفخ الكبير، وكانت بداية النهاية....يومين بعدها ووجدتني في الملهى ذاتة وعجلات الروليت تدور ويدور معها رأسي وأموالي.
لعبت وربحت وخسرت ولم أبالِ، فلم أقامر إلا بالقليل من المال، مبالغ صغيرة بالنسبة لي لن تؤثر على تجارتي وسيولة أموالي. وأخفيت خطواتي إلى ذلك المكان الآسر عن الجميع حتى عن أمي الغالية... لكنه قلب الأم شديد الحساسية.. مرصاد.. ترمومتر، سألتني وألحت وأقسمت علي فكان لا بد من الاعتراف.. بكت ليلتها كما لم تبك عمرها، ورجتنى ألا أذهب وحذرتني من غضب الله، وإلا فستمحق البركة من المال بل من كل حياتي. اهتز قلبي وكياني كله من كلمة واحدة قالتها: اجتنب هذا الطريق؛ إنه رجس من عمل الشيطان ، أو ائذن بحرب من الله ورسوله. استغفرت ربي وعزمت على عدم العودة لذلك الملهى فأنا حقا أخاف غضب الله، ولكن لا أدرى ماذا حدث؟! فأنا صاحب الإرادة الحديدية وسرعان ما وجدتني على طاولة الروليت من جديد تدور وتدور معها هذه المرة الملايين من أموالي وكان كل شيء أسرع مما تخيلت، وأسرع مما يستوعبه العقل.... ضاع المحل ثم البيت، فأنا كنت قد اشتريت حصص الورثة بناء على طلبهم بعد أن علموا بقصتي مع طاولة الروليت وصالات القمار... ويبدو أن القصة دائما واحدة، بداية سريعة ونهاية أسرع بدمار وضياع كل شيء.. حقا لقد ضاع كل شيء. صوت قوي حازم أفاقني من شرودي... قم يا سالم فأمك بالخارج .............أمي الحبيبة الحنون، كنت سببا فى دخولها أقسام الشرطة ودهاليز المحاكم... لقد باعت نصف ما تملك وأنفقته سدادا لديوني لتنقذني من مكاني الموحش خلف القضبان الحديدية الصماء. قبّلت رأسها ويديها ورجليها... نادم أنا أشد الندم... من الآن فصاعدا سأشق طريقي بعزم وقوة وإرادة حديدية لأعوض ما أضاعه القمار، وعهد صادق على تطليق الأيام السوداء بالثلاثة دون رجوع وصدق عز من قائل " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " حرم الله سبحانه القمار وقال " فاجتنبوه " ومعناها الابتعاد عن كل ما يؤدي إليه من وسائل بل إن كلمة اجتنبوه تفيد التحريم القطعي. ومن الحكم من تحريم القمار أنه وسيلة للحصول على مال دون حق " وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" ثم إن هذه الوسيلة كثيرا ما تحرق أعصاب المقامرين وتؤدي بهم إلى عداوة فمشاجرة قد تفضي إلى الجريمة. لذلك القرآن الكريم صور القمار أشنع تصوير إذ جعله عملا من أعمال الشيطان المدمرة " إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ "
إن الإنسان خلق من أجل العبادة فقط " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإنس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " والقمار يلهي الإنسان عن صلاته وعبادته وعن ذكر الله " ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ".
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم