ساعة الصفر
بقلم: منى دولة.. أم مجاهد
بقلم: منى دولة.. أم مجاهد
الدكتور فاروق أب لثلاث بنات، يحبهن أشد ما يحب الآباء الأبناء، زوجته في الشهر الأخير من حملها، إنه الحمل الرابع، يدعو الله ويتبتل له سبحانه بأن يرزقه قرة العين بذرية طيبة صالحة، وبأن تقوم أم البنات بالسلامة بعد وضع حملها .
العد التنازلي بدأ، ودقات القلب تعلو، وجميع من فى البيت ينتظر ويترقب، فصغرى البنات فى العاشرة من عمرها، وهذا أول مولود سيصل بعد شوق كبير، والجميع ينتظر الحدث المثير .
وحانت ساعة الصفر، وبعد طول مخاض، سمعت الآذان اللهفى صرخات محمد، كانت سعادة الجميع غامرة بوصول ضيفهم الجديد، وتجاوزت الفرحة أسرتهم الصغيرة لتشمل كل الأهل والأصدقاء، فالدكتور فاروق رجل شهم كريم، ويساعد من يعرف ومن لا يعرف، وله سمعة طيبة ومحبوب من الجميع .
لكن، وآآآآه من لكن، ما إن بلغ محمد شهره الثاني حتى بدأ لون جلده يميل إلى الزرقة، وبعد التحاليل والفحوصات، وجد أنه مصاب بمرض نادر فى الدم، وفي قاموس العلم سيكون نموه غير طبيعي، وأيًضا في قاموس العلم لن يزيد عمره على خمس عشرة سنة على أعلى تقدير .
لن أتكلم عن أمه، ولكن حديثي عن الدكتور فاروق، فهو طبيب أطفال حاذق فى مهنته، ويعرف مراحل تطور المرض لحظة بلحظة، ويدرك مضاعفاته على بدن الصغير يومًا بعد يوم .
توجه إلى الله بالدعاء والتوسل والاستغاثة، ليعينه على ساعة الصفر المرتقبة التى سيفقد فيها الصغير، إنه الابتلاء، والحمد لله على كل حال!
يعلم أن المعين هو الله، وأن الصبر بالتصبر .. وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، والله المستعان .
أمسك بمصحفه الصغير، الذي يضعه فى جيبه دائمًا أينما حل أو راح ..ليس للقلب المسكين المكسور إلا قوة الاستعانة بالجبار سبحانه الذي يجبر كسر المنكسرين، وكان دائمًا: يردد حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
فسبحانه وتعالى الوكيل، هو حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه، هو الذي يؤمِّن خوف الخائف، ويجير المستجير، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه، وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه، ومن خافه واتقاه، أمنه مما يخاف ويحذر، ويجلب إليه ما يحتاج من المنافع .
بالرغم من تأخر نمو محمد عن أقرانه إلا أنه كان ينمو . وبدأ يحبو، ثم خطا خطواته الأولى، تعلقت قلوب الجميع به أكثر وأكثر؛ فحركاته وعبثه الدائم بكل ركن من أركان المنزل وضحكاته، كل ذلك وغيره ملأ البيت دفئًا وحنانًا وحبًّا.
فأخته الصغيرة تحب أن تطعمه، والثانية مدربته لكرة القدم، والثالثة مدربة السباحة ترافقه للعب فى البركة.
ومحمد ينمو ويكبر، لكن ليس كنمو باقى الأطفال .
والدكتور فاروق يستعد، ويسأل نفسه ومن حوله، كيف ستكون ساعة الصفر، يوم يفارقني الحبيب الذي ملأ حبه شغاف قلبي حبًّا وتعلقًا، وما يلبث أن يمسك بمصحف تاليًا لآياته، حتى يهدأ القلب ويسكن!
ليل نهار يفكر: كيف سأتحم ؟ كيف سيكون؟ فهو يريد الأجر، ولا يريد أن يفجع مرتين، مرة بمحمد، وأخرى بفوات الثواب لا قدر الله.
حتى أن أم محمد باتت تحمل هم زوجها أكثر من نفسها، لشدة تعلق قلبه بمحمد ومن شدة قلقه من هذه اللحظة .
شارف محمد على الخامسة عشرة، فقرر الدكتور فاروق الذهاب للعمرة فى رمضان برفقة زوجته، يتوسل إلى الله بأن يثبت قلبه ويعينه على ساعة الصفر .
وصل الحرم، فشعر بألم فى صدره، قال لأم محمد: طوفي واتركيني قليلاً أتأمل الكعبة فأنا لا أقوى الآن على الطواف .. طافت ورجعت لتطمئن عليه .. قال .. أكملي عمرتك واسعي، فأنا متعب ،ولكني سعيد بجلوسي فى الصحن أشاهد الكعبة..
سعت وعادت؛ لتجده غارقًا فى عرقه، متلاحق الأنفاس، فحملوه إلى المستشفى، أزمة قلبية حادة، ترمقه زوجته من زجاج غرفة العناية المركزة، يشير لها بيده أنه بخير، ولحظات بعدها، نفذ قضاء الله، وفاضت الروح وعادت إلى البارئ سبحانه وتعالى .
مات الدكتور فاروق صائمًا، ومحرمًا، ليبعث يوم القيامة بإذن الله ملبيًا، ملتفًّا بإحرامه .. وصلوا عليه صلاة الجنازة بعد التراويح ودفن بمكة!
أما أم محمد فسكب ربها الرضا فى قلبها سكبًا، لو رأيتها لتعجبت، ولما صدقت حالها، لك الله أختى الحبيبة، اللهم أجرها فى مصيبتها واخلفها خيرًا منها.
كان رحمه الله يحمل هم لحظة الوداع وساعة الصفر، وما علم أنه لن يبلغها.
العد التنازلي بدأ، ودقات القلب تعلو، وجميع من فى البيت ينتظر ويترقب، فصغرى البنات فى العاشرة من عمرها، وهذا أول مولود سيصل بعد شوق كبير، والجميع ينتظر الحدث المثير .
وحانت ساعة الصفر، وبعد طول مخاض، سمعت الآذان اللهفى صرخات محمد، كانت سعادة الجميع غامرة بوصول ضيفهم الجديد، وتجاوزت الفرحة أسرتهم الصغيرة لتشمل كل الأهل والأصدقاء، فالدكتور فاروق رجل شهم كريم، ويساعد من يعرف ومن لا يعرف، وله سمعة طيبة ومحبوب من الجميع .
لكن، وآآآآه من لكن، ما إن بلغ محمد شهره الثاني حتى بدأ لون جلده يميل إلى الزرقة، وبعد التحاليل والفحوصات، وجد أنه مصاب بمرض نادر فى الدم، وفي قاموس العلم سيكون نموه غير طبيعي، وأيًضا في قاموس العلم لن يزيد عمره على خمس عشرة سنة على أعلى تقدير .
لن أتكلم عن أمه، ولكن حديثي عن الدكتور فاروق، فهو طبيب أطفال حاذق فى مهنته، ويعرف مراحل تطور المرض لحظة بلحظة، ويدرك مضاعفاته على بدن الصغير يومًا بعد يوم .
توجه إلى الله بالدعاء والتوسل والاستغاثة، ليعينه على ساعة الصفر المرتقبة التى سيفقد فيها الصغير، إنه الابتلاء، والحمد لله على كل حال!
يعلم أن المعين هو الله، وأن الصبر بالتصبر .. وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليخطئه، والله المستعان .
أمسك بمصحفه الصغير، الذي يضعه فى جيبه دائمًا أينما حل أو راح ..ليس للقلب المسكين المكسور إلا قوة الاستعانة بالجبار سبحانه الذي يجبر كسر المنكسرين، وكان دائمًا: يردد حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
فسبحانه وتعالى الوكيل، هو حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه، هو الذي يؤمِّن خوف الخائف، ويجير المستجير، فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه، وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه، ومن خافه واتقاه، أمنه مما يخاف ويحذر، ويجلب إليه ما يحتاج من المنافع .
بالرغم من تأخر نمو محمد عن أقرانه إلا أنه كان ينمو . وبدأ يحبو، ثم خطا خطواته الأولى، تعلقت قلوب الجميع به أكثر وأكثر؛ فحركاته وعبثه الدائم بكل ركن من أركان المنزل وضحكاته، كل ذلك وغيره ملأ البيت دفئًا وحنانًا وحبًّا.
فأخته الصغيرة تحب أن تطعمه، والثانية مدربته لكرة القدم، والثالثة مدربة السباحة ترافقه للعب فى البركة.
ومحمد ينمو ويكبر، لكن ليس كنمو باقى الأطفال .
والدكتور فاروق يستعد، ويسأل نفسه ومن حوله، كيف ستكون ساعة الصفر، يوم يفارقني الحبيب الذي ملأ حبه شغاف قلبي حبًّا وتعلقًا، وما يلبث أن يمسك بمصحف تاليًا لآياته، حتى يهدأ القلب ويسكن!
ليل نهار يفكر: كيف سأتحم ؟ كيف سيكون؟ فهو يريد الأجر، ولا يريد أن يفجع مرتين، مرة بمحمد، وأخرى بفوات الثواب لا قدر الله.
حتى أن أم محمد باتت تحمل هم زوجها أكثر من نفسها، لشدة تعلق قلبه بمحمد ومن شدة قلقه من هذه اللحظة .
شارف محمد على الخامسة عشرة، فقرر الدكتور فاروق الذهاب للعمرة فى رمضان برفقة زوجته، يتوسل إلى الله بأن يثبت قلبه ويعينه على ساعة الصفر .
وصل الحرم، فشعر بألم فى صدره، قال لأم محمد: طوفي واتركيني قليلاً أتأمل الكعبة فأنا لا أقوى الآن على الطواف .. طافت ورجعت لتطمئن عليه .. قال .. أكملي عمرتك واسعي، فأنا متعب ،ولكني سعيد بجلوسي فى الصحن أشاهد الكعبة..
سعت وعادت؛ لتجده غارقًا فى عرقه، متلاحق الأنفاس، فحملوه إلى المستشفى، أزمة قلبية حادة، ترمقه زوجته من زجاج غرفة العناية المركزة، يشير لها بيده أنه بخير، ولحظات بعدها، نفذ قضاء الله، وفاضت الروح وعادت إلى البارئ سبحانه وتعالى .
مات الدكتور فاروق صائمًا، ومحرمًا، ليبعث يوم القيامة بإذن الله ملبيًا، ملتفًّا بإحرامه .. وصلوا عليه صلاة الجنازة بعد التراويح ودفن بمكة!
أما أم محمد فسكب ربها الرضا فى قلبها سكبًا، لو رأيتها لتعجبت، ولما صدقت حالها، لك الله أختى الحبيبة، اللهم أجرها فى مصيبتها واخلفها خيرًا منها.
كان رحمه الله يحمل هم لحظة الوداع وساعة الصفر، وما علم أنه لن يبلغها.
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم