على الدنيا السلام
بقلم: أم مجاهد؛ منى دولة
بقلم: أم مجاهد؛ منى دولة
أمينة.. أمينة.. أين أنت!؟
يا إلهي.. أين ذهبت أمينة؟ لقد تأخرت كثيرًا بالداخل. الأفضل أن ألحق بها ليطمئن قلبي. تعبنا كثيرًا هذا اليوم؛ فمنذ الصباح ونحن نبحث عن هذا العنوان ويبدو أنه عنوان خطأ، ابتلاء عظيم عندما يجتمع الفقر مع الجهل، فهذا عنوان لأسرة فقيرة تحتاج للمساعدة، وأنا وأمينة مكلفتان بزيارة ميدانية للاطلاع على وضع الأسرة ومعاينة الظروف على أرض الواقع؛ لكن يبدو أننا أخطأنا العنوان الذي أملته علينا ربة المنزل. ومنذ الصباح ونحن ندور مع هذه الأرقام، لعله رقم الشارع أو رقم المنزل أو لعله .... بقيت لنا محاولة أخيرة، سنجرب حظنا مع هذا البيت..
لكن ما بال أمينة تأخرت بالداخل؟!
قدماي متعبتان، وخطواتي متثاقلة، وأنفاسي لاهثة!
تقدمت من الباب وهتفت: أمينة.. أين أنت!؟
أطل وجهها الباسم البشوش من ممر طويل،ونادت:
تعالي يا نهى، أنت مدعوة لفنجان من الشاي!
قلت متعجبة: ما الأمر؟ وما مناسبة الشاي الآن؟
لحقتها فأدخلتني غرفة فيها امرأة في خريف عمرها تجلس وبجانب الهاتف، ترافقها خادمة فيلبينية تمسك بالسماعة، وتعلو ضحكاتها فهي مشغولة بالمكالمة، وكلما أمرتها العجوز بإنهاء المكالمة لوجودنا نهرتها الخادمة!
لست أدري حقًّا من منهما ربة البيت: العجوز أم الخادمة!
وكانت الدعوة لتناول الشاي من العجوز المسكينة، الوحيدة، التي تزيد هذه الخادمة وحدتها وغربتها؛ رغم أنها فى بيتها!
جلسنا وشربنا الشاي ثم شكرناها على كرم الضيافة.
- سامحينا يا خالة فنحن على عجلة من أمرنا ولا نستطيع الجلوس أكثر!
- أرجوكما؛ أنتما رحمة نزلت علي من السماء! اجلسا قليلاً؛ فمنذ وقت طويل لم يزرني أحد، ولم أجلس مع صديق أو عزيز!
لي ست من البنات وثلاثة من الأبناء، جميعهم في بيوتهم مشغولون، وأنا وحيدة في بيتي ترافقني هذه المشاكسة اللعوب، لا لغة بيننا، ولا وسيلة للتفاهم؛ سوى لغة الإشارات! لقد ملتني ومللتها!
اشتقت لضوء السماء، ونور الدنيا! اشتقت للبشر، اشتقت لصفو الليل وضوء القمر، لا فرق هنا بين الليل والنهار، تدور عقارب الساعة بطيئة كأن اليوم دهر!
أبنائي يحضروا طلباتي كاملة، قسموا الدور عليهم، فكل غرة شهر يحضر من عليه الدور نصف ساعة، يضع الحوائج في المطبخ، ويحتسي معي فنجانًا من الشاي، ولا أراه إلا في الشهر الذي يأتي دوره فيه.. بعد تسعة اشعر غالبًا!
آآآآه من الوحدة، وآآآآه من الغربة!
هل يعقل أن أكون غريبة وأنا في بلدي وبين أبنائي؟
أشتاق لهم كثيرًا ولأحفادي الصغار!
أحيانًا أهاتفهم لكن الجميع ينهي المكالمة بسرعة؛ فكلهم مشغولون، والحياة أمامهم بآمالها وأحلامها! وأما أنا فحياتي باتت أحلامًا!
هتفت بوجع: لك الله يا خالة! واحمدي الله أنك في بيتك ولست في دار العجزة؛ فهذا ينذر بقرب نهاية الدنيا، نحن فى آخر الزمان!
سبحان من قدر لنا البحث عن العنوان! فبالرغم من أننا لم نصل للأسرة المحتاجة فإننا غنمنا اللقاء بهذه العجوز الوحيدة التي تعيش بين الأطلال.. أطلال الذكريات وآصار الاشتياق!
زرت يومًا دار العجزة فلفت نظري اثنتان من الأمهات ترافقان ابنتيهما المبتلاتين! إحداهما صدمتها سيارة منذ شهور كانت سببًا لشل حركتها تمامًا فهي بلا حراك. والأم بجانب سريرها تقرأ لها، وترقيها، وتخفف عنها وطء الأحداث؛ لكنها تدفع أمها بشدة، وتبكي من الألم والملل! والأم صابرة تداعبها مصرة على رفع معنوياتها.
والثانية أصيبت بموت دماغي لأكثر من أربع سنوات! والأم لم تفارق سرير المستشفى يومًا؛ حتى إنها يوم الجمعة تحملها معها إلى البيت لتقضي اليوم بين باقي أفراد الأسرة!
أما جميع الأمهات - كلهن بلا استثناء - فلم تكن ابنة أي منهن بجانب أمها!
قلت في نفسي لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى أوصى الولد بالوالد" وبالوالدين إحسانًا" لا العكس.
تأثرت كثيرًا من زيارتي لهذه العجوز، ودعوت لها الله أن يعينها على بلائها؛ فأولادها هم الخاسرون: خسروا دعوة أمهم التي لا ترد، وخسروا أجر البر! ولعل قسوة قلوبهم تورث لأبنائهم؛ وعلى دنياهم السلام.
إن أعظم البر يكون حال بلوغ الوالدين الكبر أحدهما أو كلاهما، وهو حال الضعف البدني والعقلي، الذي ربما يؤدي إلى العجز، فأمر الله الرحيم بأن نقول لهما قولاً كريما ونخاطبهم مخاطبة لينة، رحمة بهما، وإحسانًا إليهما، مع الدعاء لهما بالرحمة كما رحمانا في الصغر وقت الضعف، ثم الإكثار من إسماعهما عبارات الشكر الذي قرنه الله بشكره سبحانه.
"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن، وفصاله في عامين، أن اشكر لي، ولوالديك، إلى المصير."
يا إلهي.. أين ذهبت أمينة؟ لقد تأخرت كثيرًا بالداخل. الأفضل أن ألحق بها ليطمئن قلبي. تعبنا كثيرًا هذا اليوم؛ فمنذ الصباح ونحن نبحث عن هذا العنوان ويبدو أنه عنوان خطأ، ابتلاء عظيم عندما يجتمع الفقر مع الجهل، فهذا عنوان لأسرة فقيرة تحتاج للمساعدة، وأنا وأمينة مكلفتان بزيارة ميدانية للاطلاع على وضع الأسرة ومعاينة الظروف على أرض الواقع؛ لكن يبدو أننا أخطأنا العنوان الذي أملته علينا ربة المنزل. ومنذ الصباح ونحن ندور مع هذه الأرقام، لعله رقم الشارع أو رقم المنزل أو لعله .... بقيت لنا محاولة أخيرة، سنجرب حظنا مع هذا البيت..
لكن ما بال أمينة تأخرت بالداخل؟!
قدماي متعبتان، وخطواتي متثاقلة، وأنفاسي لاهثة!
تقدمت من الباب وهتفت: أمينة.. أين أنت!؟
أطل وجهها الباسم البشوش من ممر طويل،ونادت:
تعالي يا نهى، أنت مدعوة لفنجان من الشاي!
قلت متعجبة: ما الأمر؟ وما مناسبة الشاي الآن؟
لحقتها فأدخلتني غرفة فيها امرأة في خريف عمرها تجلس وبجانب الهاتف، ترافقها خادمة فيلبينية تمسك بالسماعة، وتعلو ضحكاتها فهي مشغولة بالمكالمة، وكلما أمرتها العجوز بإنهاء المكالمة لوجودنا نهرتها الخادمة!
لست أدري حقًّا من منهما ربة البيت: العجوز أم الخادمة!
وكانت الدعوة لتناول الشاي من العجوز المسكينة، الوحيدة، التي تزيد هذه الخادمة وحدتها وغربتها؛ رغم أنها فى بيتها!
جلسنا وشربنا الشاي ثم شكرناها على كرم الضيافة.
- سامحينا يا خالة فنحن على عجلة من أمرنا ولا نستطيع الجلوس أكثر!
- أرجوكما؛ أنتما رحمة نزلت علي من السماء! اجلسا قليلاً؛ فمنذ وقت طويل لم يزرني أحد، ولم أجلس مع صديق أو عزيز!
لي ست من البنات وثلاثة من الأبناء، جميعهم في بيوتهم مشغولون، وأنا وحيدة في بيتي ترافقني هذه المشاكسة اللعوب، لا لغة بيننا، ولا وسيلة للتفاهم؛ سوى لغة الإشارات! لقد ملتني ومللتها!
اشتقت لضوء السماء، ونور الدنيا! اشتقت للبشر، اشتقت لصفو الليل وضوء القمر، لا فرق هنا بين الليل والنهار، تدور عقارب الساعة بطيئة كأن اليوم دهر!
أبنائي يحضروا طلباتي كاملة، قسموا الدور عليهم، فكل غرة شهر يحضر من عليه الدور نصف ساعة، يضع الحوائج في المطبخ، ويحتسي معي فنجانًا من الشاي، ولا أراه إلا في الشهر الذي يأتي دوره فيه.. بعد تسعة اشعر غالبًا!
آآآآه من الوحدة، وآآآآه من الغربة!
هل يعقل أن أكون غريبة وأنا في بلدي وبين أبنائي؟
أشتاق لهم كثيرًا ولأحفادي الصغار!
أحيانًا أهاتفهم لكن الجميع ينهي المكالمة بسرعة؛ فكلهم مشغولون، والحياة أمامهم بآمالها وأحلامها! وأما أنا فحياتي باتت أحلامًا!
هتفت بوجع: لك الله يا خالة! واحمدي الله أنك في بيتك ولست في دار العجزة؛ فهذا ينذر بقرب نهاية الدنيا، نحن فى آخر الزمان!
سبحان من قدر لنا البحث عن العنوان! فبالرغم من أننا لم نصل للأسرة المحتاجة فإننا غنمنا اللقاء بهذه العجوز الوحيدة التي تعيش بين الأطلال.. أطلال الذكريات وآصار الاشتياق!
زرت يومًا دار العجزة فلفت نظري اثنتان من الأمهات ترافقان ابنتيهما المبتلاتين! إحداهما صدمتها سيارة منذ شهور كانت سببًا لشل حركتها تمامًا فهي بلا حراك. والأم بجانب سريرها تقرأ لها، وترقيها، وتخفف عنها وطء الأحداث؛ لكنها تدفع أمها بشدة، وتبكي من الألم والملل! والأم صابرة تداعبها مصرة على رفع معنوياتها.
والثانية أصيبت بموت دماغي لأكثر من أربع سنوات! والأم لم تفارق سرير المستشفى يومًا؛ حتى إنها يوم الجمعة تحملها معها إلى البيت لتقضي اليوم بين باقي أفراد الأسرة!
أما جميع الأمهات - كلهن بلا استثناء - فلم تكن ابنة أي منهن بجانب أمها!
قلت في نفسي لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى أوصى الولد بالوالد" وبالوالدين إحسانًا" لا العكس.
تأثرت كثيرًا من زيارتي لهذه العجوز، ودعوت لها الله أن يعينها على بلائها؛ فأولادها هم الخاسرون: خسروا دعوة أمهم التي لا ترد، وخسروا أجر البر! ولعل قسوة قلوبهم تورث لأبنائهم؛ وعلى دنياهم السلام.
إن أعظم البر يكون حال بلوغ الوالدين الكبر أحدهما أو كلاهما، وهو حال الضعف البدني والعقلي، الذي ربما يؤدي إلى العجز، فأمر الله الرحيم بأن نقول لهما قولاً كريما ونخاطبهم مخاطبة لينة، رحمة بهما، وإحسانًا إليهما، مع الدعاء لهما بالرحمة كما رحمانا في الصغر وقت الضعف، ثم الإكثار من إسماعهما عبارات الشكر الذي قرنه الله بشكره سبحانه.
"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن، وفصاله في عامين، أن اشكر لي، ولوالديك، إلى المصير."
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم