سلمان بن فهد العودة
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة من العبادات، يجب فيها ما يجب في غيرها من العبادات، من إخلاص العمل لله وحده، والمتابعة فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الأمر والنهي يتميز بأنه نيابة عن النبيِّين في الإِصلاح والتغيير والتوجيه والنصيحة، ومواجهة للناس بغير ما هم عليه؛ بل بما هو غريب عليهم، مخالف لمألوفهم؛ فهو إما طلب ترك منكر قائم موجود، أو طلب فعل معروف غائب مفقود.
ولذلك؛ فقد يتصدى للأمر والنهي قوم غير مستجمِعين للشروط كلها، ولا متَّصفين بالعلم والحكمة، فيكون ما يفسدون أكثر مما يصلِحون، ويكون سكوت هؤلاء في بعض الأحيان عن المنكر أولى من الإِنكار، إذ إن من الإنكار المتعجَّل غير الحكيم ما يثير منكرًا أكبر من المنكر الأول، مع بقاء المنكر الأول، أو مع زواله.
والأصل أن القائمين بتغيير المنكر هم من الطائفة المنصورة المتحلِّية الخصائص السابقة، ولكن يُضاف إلى ذلك أنه لابد من وجود صفات للفرد، أو للجماعة، حال القيام بالأمر والنهي، وقبله، وبعده؛ منها:
- العلم.
- الرفق والعدل والحلم.
- الصبر.
يقول الإِمام سفيان الثوري رحمه الله : "لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا مَن كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى" .
فالعلم قبل الأمر والنهي، والرفق والحلم والعدل معهما، والصبر بعدهما.
* والمقصود بالعلم:
- العلم بالمعروف والمنكر بمقتضى الشرع، إذ إن الآمر والناهي؛ إذا لم يكن متَّبعًا للشرع؛ كان متَّبعًا للهوى، وكثير من الناس ينكِرون ما لا تهواه نفوسهم، ولو كان معروفًا، ولو كان من السنة، وهؤلاء يفسِدون أكثر مما يصلِحون.
- وكذلك: العلم بالطريق الصحيح للإنكار؛ بحيث يفهم المحتسِب آداب الأمر والنهي وأصوله وضوابطه.
- ومثله: العلم بحال المأمور وحال المَنهيِّ وما يناسب هذا الحال.
وهذا العلم هو المعبَّر عنه بالفقه في بعض الآثار .
* أما الرفق والحلم والعدل:
- فالرِّفق يحمل المحتسِب على اللَّباقة وحسن السياسة واللُّطف في الأمر والنهي، وهذا أدعى للقبول.
ولذلك قال سليمان بن طرخان التيمي رحمه الله: "ما أغضبتَ رجلاً فقبل منك" .
وسُئل الإمام مالك عن الرجل يعمل أعمالاً سيئة؛ يأمره الرجل بالمعروف وهو يظن أنه لا يطيعه؟ فقال: "ما بذلك بأس، ومن الناس من يُرفَق به، فيطيع، قال الله عز وجل: (فَقُوْلا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا)" .
وقد تحمِل شدةُ الغيرة الآمرَ والناهي على ترك الرفق، فيُحرم القَبول والتوفيق.
ومن جاري العادة أن يلقى المحتسب بعض الأذى من السفهاء، ويسمع منهم ما لا يحب، فلا يحمله ذلك على الانتصار لنفسه؛ بل يتذرَّع بالحلم، ولا تستخفُّه سفاهة السفهاء.
ولذلك لما ذكر الإمام أحمد الإِنكار بالرفق؛ قال: "إن أسمعوه ما يكره؛ لا يغضب، فيكون يريد ينتصر لنفسه" .
- أما العدل؛ فيحمل المحتسب على الإنصاف، ومعرفة ما قد يكون للواقع في المنكر من فضل ومكانة وسابقة؛ فلا ينسى فضائله بهذه الزلة والسقطة، ويحمله على اختيار الأسلوب المناسب في الإنكار؛ بحسب نوع المنكر، وحال المنهي، ويحمله على الإِنصاف من نفسه لو حدث في الأمر مخاصمة أو ترافع.
* أما الصبر؛ فيحمله على احتمال ما يلقاه في هذا السبيل.
ولذلك كان من وصية لقمان لابنه: (وَأْمُرْ بالمَعْرُوف وَانْهَ عَن المُنْكَر وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور) .
واشتراط هذه الخصال يوجب الصعوبة على الكثير من النفوس، فيظن أنه بذلك يسقُطُ عنه الأمر والنهي، فيدعه.
والحقُّ أنه لابد من الموازنة بين المصلحة والمفسدة، فإن استطاع أن يأمر وينهى ويتحقَّق بهذه الخصال؛ فهذا الواجب عليه، وإن لم يستطع الأمر والنهي إلا مع الإِخلال ببعضها، كمن يخلُّ بالرفق أو بالحلم مثلاً، فينظر إن كانت المصطلحة المترتِّبة على أمره ونهيه أكثر من المفسدة؛ أمَرَ ونهى، وإن كانت المفسدة أكثر؛ كفَّ وترك، وإن كانتا متساويتين؛ فهذا موضع اجتهاد، وقد يرجِّح أحد الطرفين بمرجِّح خارج عنهما .
إن اشتراط وجود هذه الصفات في الآمر والناهي، وقلَّة المتحقِّقين بها؛ لهو برهان على تفاوت أحوال الغربة، وتنوعها، وتسلسل درجاتها، حتى يعزَّ وجود الفئة الموفية بالشروط، وهو برهان على أهمية تعارف أفراد الطائفة المنصورة، وفئاتها، حتى يتناوبوا القيام بفروض الكفايات التي اضطلعوا بها، فمن كان متحلِّيًا بالصفات المناسبة للأمر والنهي؛ أمرَ ونهى، ومَن كان أقرب إلى الاهتمام بالعلم والتعليم؛ اشتغل به، ومَن كان شأن الجهاد لديه أغلب؛ توجه إليه... وهكذا باقي الأعمال.
وهذه من الإِيجابيات الكبيرة الناتجة عن الاجتماع على الخير.
ولو نظرنا إلى أي مجتمع بشري؛ لوجدنا هذا متحقِّقًا فيه:
ففي مجتمع الصحابة مثلاً؛ كان فيهم خالد بن الوليد وأمثاله من المشتغلين بالجهاد ، وكان فيهم ابن مسعود وأمثاله ممَّن هم أقرب إلى الاشتغال بالعلم والتعليم ، وكان غيرهم يشتغل بغير ذلك من وجوه الخير.
المصدر : كتاب وسائل دفع الغربة …. تأليف: سلمان بن فهد العودة
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة من العبادات، يجب فيها ما يجب في غيرها من العبادات، من إخلاص العمل لله وحده، والمتابعة فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الأمر والنهي يتميز بأنه نيابة عن النبيِّين في الإِصلاح والتغيير والتوجيه والنصيحة، ومواجهة للناس بغير ما هم عليه؛ بل بما هو غريب عليهم، مخالف لمألوفهم؛ فهو إما طلب ترك منكر قائم موجود، أو طلب فعل معروف غائب مفقود.
ولذلك؛ فقد يتصدى للأمر والنهي قوم غير مستجمِعين للشروط كلها، ولا متَّصفين بالعلم والحكمة، فيكون ما يفسدون أكثر مما يصلِحون، ويكون سكوت هؤلاء في بعض الأحيان عن المنكر أولى من الإِنكار، إذ إن من الإنكار المتعجَّل غير الحكيم ما يثير منكرًا أكبر من المنكر الأول، مع بقاء المنكر الأول، أو مع زواله.
والأصل أن القائمين بتغيير المنكر هم من الطائفة المنصورة المتحلِّية الخصائص السابقة، ولكن يُضاف إلى ذلك أنه لابد من وجود صفات للفرد، أو للجماعة، حال القيام بالأمر والنهي، وقبله، وبعده؛ منها:
- العلم.
- الرفق والعدل والحلم.
- الصبر.
يقول الإِمام سفيان الثوري رحمه الله : "لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا مَن كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى" .
فالعلم قبل الأمر والنهي، والرفق والحلم والعدل معهما، والصبر بعدهما.
* والمقصود بالعلم:
- العلم بالمعروف والمنكر بمقتضى الشرع، إذ إن الآمر والناهي؛ إذا لم يكن متَّبعًا للشرع؛ كان متَّبعًا للهوى، وكثير من الناس ينكِرون ما لا تهواه نفوسهم، ولو كان معروفًا، ولو كان من السنة، وهؤلاء يفسِدون أكثر مما يصلِحون.
- وكذلك: العلم بالطريق الصحيح للإنكار؛ بحيث يفهم المحتسِب آداب الأمر والنهي وأصوله وضوابطه.
- ومثله: العلم بحال المأمور وحال المَنهيِّ وما يناسب هذا الحال.
وهذا العلم هو المعبَّر عنه بالفقه في بعض الآثار .
* أما الرفق والحلم والعدل:
- فالرِّفق يحمل المحتسِب على اللَّباقة وحسن السياسة واللُّطف في الأمر والنهي، وهذا أدعى للقبول.
ولذلك قال سليمان بن طرخان التيمي رحمه الله: "ما أغضبتَ رجلاً فقبل منك" .
وسُئل الإمام مالك عن الرجل يعمل أعمالاً سيئة؛ يأمره الرجل بالمعروف وهو يظن أنه لا يطيعه؟ فقال: "ما بذلك بأس، ومن الناس من يُرفَق به، فيطيع، قال الله عز وجل: (فَقُوْلا لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا)" .
وقد تحمِل شدةُ الغيرة الآمرَ والناهي على ترك الرفق، فيُحرم القَبول والتوفيق.
ومن جاري العادة أن يلقى المحتسب بعض الأذى من السفهاء، ويسمع منهم ما لا يحب، فلا يحمله ذلك على الانتصار لنفسه؛ بل يتذرَّع بالحلم، ولا تستخفُّه سفاهة السفهاء.
ولذلك لما ذكر الإمام أحمد الإِنكار بالرفق؛ قال: "إن أسمعوه ما يكره؛ لا يغضب، فيكون يريد ينتصر لنفسه" .
- أما العدل؛ فيحمل المحتسب على الإنصاف، ومعرفة ما قد يكون للواقع في المنكر من فضل ومكانة وسابقة؛ فلا ينسى فضائله بهذه الزلة والسقطة، ويحمله على اختيار الأسلوب المناسب في الإنكار؛ بحسب نوع المنكر، وحال المنهي، ويحمله على الإِنصاف من نفسه لو حدث في الأمر مخاصمة أو ترافع.
* أما الصبر؛ فيحمله على احتمال ما يلقاه في هذا السبيل.
ولذلك كان من وصية لقمان لابنه: (وَأْمُرْ بالمَعْرُوف وَانْهَ عَن المُنْكَر وَاصْبِرْ عَلى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور) .
واشتراط هذه الخصال يوجب الصعوبة على الكثير من النفوس، فيظن أنه بذلك يسقُطُ عنه الأمر والنهي، فيدعه.
والحقُّ أنه لابد من الموازنة بين المصلحة والمفسدة، فإن استطاع أن يأمر وينهى ويتحقَّق بهذه الخصال؛ فهذا الواجب عليه، وإن لم يستطع الأمر والنهي إلا مع الإِخلال ببعضها، كمن يخلُّ بالرفق أو بالحلم مثلاً، فينظر إن كانت المصطلحة المترتِّبة على أمره ونهيه أكثر من المفسدة؛ أمَرَ ونهى، وإن كانت المفسدة أكثر؛ كفَّ وترك، وإن كانتا متساويتين؛ فهذا موضع اجتهاد، وقد يرجِّح أحد الطرفين بمرجِّح خارج عنهما .
إن اشتراط وجود هذه الصفات في الآمر والناهي، وقلَّة المتحقِّقين بها؛ لهو برهان على تفاوت أحوال الغربة، وتنوعها، وتسلسل درجاتها، حتى يعزَّ وجود الفئة الموفية بالشروط، وهو برهان على أهمية تعارف أفراد الطائفة المنصورة، وفئاتها، حتى يتناوبوا القيام بفروض الكفايات التي اضطلعوا بها، فمن كان متحلِّيًا بالصفات المناسبة للأمر والنهي؛ أمرَ ونهى، ومَن كان أقرب إلى الاهتمام بالعلم والتعليم؛ اشتغل به، ومَن كان شأن الجهاد لديه أغلب؛ توجه إليه... وهكذا باقي الأعمال.
وهذه من الإِيجابيات الكبيرة الناتجة عن الاجتماع على الخير.
ولو نظرنا إلى أي مجتمع بشري؛ لوجدنا هذا متحقِّقًا فيه:
ففي مجتمع الصحابة مثلاً؛ كان فيهم خالد بن الوليد وأمثاله من المشتغلين بالجهاد ، وكان فيهم ابن مسعود وأمثاله ممَّن هم أقرب إلى الاشتغال بالعلم والتعليم ، وكان غيرهم يشتغل بغير ذلك من وجوه الخير.
المصدر : كتاب وسائل دفع الغربة …. تأليف: سلمان بن فهد العودة
الخميس 2 نوفمبر 2017 - 12:09 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (10)
الأربعاء 22 أكتوبر 2014 - 12:34 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (8) - (9)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:30 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (6) - (7)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:24 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (5)
الإثنين 20 أكتوبر 2014 - 23:22 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (4)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:44 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (3)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:43 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (2)
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:41 من طرف أم رنيم
» سؤال وجواب في فقه الصلاة (1 )
السبت 18 أكتوبر 2014 - 18:39 من طرف أم رنيم